قال الجامع عفا الله عنه: هذا من الحافظ عجيب، فأين النصّ، أو الإجماع الذي يستني هذا الاستثناء؟، فهل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حينما يُسلّم على الصبيان خصّ وضيئًا بعدم سلامه عليه؟ وهل أنس حينما فعل مثله خصّ أحدًا؟ وقد كان في أولاد الصحابة - رضي الله عنهم - وضيئون، كما هو مشهور في "الصحيحين" من جمال الفضل بن عبّاس - رضي الله عنهما -، فهل ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم -، أو عن أصحابه - رضي الله عنهم -، التحذير من السلام عليهم؟ هيهات هيهات.
وبالجملة فهذه المسألة قد تداولها المتأخّرون في كتبهم، وأكثروا التشغيب فيها، وهي كما ترى لا مستند لها، وأما التعلّل بالافتتان، فإنه ليس لازمًا للسلام، فإن الفاسق المجرم الذي يجري وراء شهوته سيفعل ما تهواه نفسه إذا خلا بالصبيان، ولو لم يسلّم عليهم، ولا كلّمهم، وهذا الإجرام لا يكون معيارًا لِتَرْك السنّة الصحيحة، التي استمرّ عليها النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، والصحابة، ومن بعدهم من دون نكير، ففي الرواية الآتية من طريق شعبة، عن سيار قال: كنت أمشي مع ثابت البنانيّ، فمرّ بصبيان، فسلّم عليهم، وحدّث ثابت أنه كان يمشي مع أنس، فمرّ بصبيان، فسلّم عليهم، وحدّث أنس أنه كان يمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمرّ بصبيان، فسلّم عليهم.
وأخرج البخاريّ في "الأدب المفرد" عن عنبسة قال: رأيت ابن عمر يسلّم على الصبيان في الكتّاب، وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة الدالّة على استمرار هذه السُّنَّة من غير استثناء، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى وليّ التوفيق.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في مشروعيّة سلام الرجال على النساء، وعكسه:
قال الإمام البخاريّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "صحيحه": "باب تسليم الرجال على النساء، والنساء على الرجال"، ثم أخرج عن سهل - رضي الله عنه - قال: كنا نفرح يوم الجمعة، فذكر الحديث، وفيه:"فإذا صلّينا الجمعة انصرفنا، ونسلّم عليها … " الحديث.
ثم أخرج عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عائشة هذا