ضرورة، كما تقدم، فلا يَطّرِد الحكم في غيرها ممن لم يكن في مثل حالهم، وقد تقدم أن فاطمة سيدة نساء العالمين - رضي الله عنها - شكت ما تلقى يداها من الرحى، وسألت أباها خادمًا، فدلّها على خير من ذلك، وهو ذِكر الله تعالى، والذي يترجح حَمْل الأمر في ذلك على عوائد البلاد، فإنها مختلفة في هذا الباب.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله الحافظ من حمل الأمر على عوائد البلاد فيه نظر لا يخفى، بل الصواب أنه يُحمل على الأمر مطلقًا؛ لأن هذا العمل من أسماء، وفاطمة - رضي الله عنهما - كان في وقت تشريع الأحكام، فهو تشريع مستمرّ، عام في العباد والبلاد، قال الله عز وجل:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} الآية [البقرة: ٢٢٨] فأتى بلفظ "على" التي هي للوجوب، والمعروف هو الذي في ذلك العصر عصر نزول الوحي، فما كان عليه الصحابيّات يلزم نساء الأمة كلّهن، وسيأتي تمام البحث فيه في المسألة التالية - إن شاء الله تعالى -.
وقال المهلّب: وفيه أن المرأة الشريفة إذا تطوّعت بخدمة زوجها بشيء لا يلزمها لم يُنكِر عليها ذلك أبٌ، ولا سلطانٌ.
وتُعُقِّب بأنه بناه على ما أصّله من أن ذلك كان تطوّعًا، ولخصمه أن يَعكس، فيقول: لو لم يكن لازمًا ما سكت أبوها مثلًا على ذلك، مع ما فيه من المشقة عليه، وعليها، ولا أقرّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك، مع عظمة الصديق عنده.
قال الجامع عفا الله عنه: ما قاله الخصم هو الحقّ الذي لا محيد عنه، فالحقّ وجوب خدمة المرأة لزوجها؛ لهذه الأدلة الواضحة، والله تعالى أعلم.
٢ - (ومنها): أن فيه جوازَ إرداف المرأة التي ليست محرمًا إذا وُجدت في طريق قد أعيت، لا سيما مع جماعة رجال صالحين، ولا شك في جواز مثل هذا، وقال القاضي عياض: هذا خاص للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - بخلاف غيره، فقد أُمرنا بالمباعدة بين أنفاس الرجال والنساء، وكانت عادته - صلى الله عليه وسلم - مباعدتهنّ لتقتدي به أمته، قال: وإنما كانت هذه خصوصية له، لكونها بنت أبي بكر، وأخت عائشة، وامرأة الزبير، فكانت كإحدى أهله، ونسائه، مع ما خُصّ به - صلى الله عليه وسلم - أنه أمُلَك لإربه، وأما إرداف المحارم فجائز، بلا خلاف بكل حال. انتهى (١).