للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في "الفتح": المراد بالمعوّذات: سورة الفلق، والناس، والإخلاص، فيكون من باب التغليب، أو المراد: الفلق، والناس، وكلُّ ما ورد من التعويذ في القرآن، كقوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (٩٧)} [المؤمنون: ٩٧]، وقوله: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: ٩٨]، وغير ذلك، والأول أَولى؛ فقد أخرج أحمد، وأبو داود، والنسائيّ، وصححه ابن حبان، والحاكم، من رواية عبد الرحمن بن حرملة، عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: "أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يكره عشر خصال … "، فذكر فيها الرُّقَى إلا بالمعوذات، وعبد الرحمن بن حرملة قال البخاريّ: لا يصح حديثه، وقال الطبريّ: لا يُحتج بهذا الخبر؛ لجهالة راويه، وعلى تقدير صحته فهو منسوخ بالإذن في الرقية بفاتحة الكتاب.

وأشار المهلَّب إلى الجواب عن ذلك بأن في الفاتحة معنى الاستعاذة، وهو الاستعانة، فعلى هذا يختص الجواز بما يشتمل على هذا المعنى.

وقد أخرج الترمذيّ، وحسّنه، والنسائيّ، من حديث أبي سعيد: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ من الجان، وعين الإنسان، حتى نزلت المعوذات، فأخذ بها، وترك ما سواها"، وهذا لا يدل على المنع من التعوذ بغير هاتين السورتين، بل يدلّ على الأولوية، ولا سيما مع ثبوت التعوذ بغيرهما، وإنما اجتزأ بهما؛ لِمَا اشتملتا عليه من جوامع الاستعاذة، من كل مكروه جملةً، وتفصيلًا. انتهى ما قاله في "الفتح" (١).

وقال في "موضع آخر: المراد بالمعوذات السور الثلاث، وذَكَرَ سورة الإخلاص معهما تغليبًا؛ لِمَا اشتملت عليه من صفة الربّ، وإن لم يُصَرَّح فيها بلفظ التعويذ، وقد أخرج أصحاب "السنن" الثلاثة، وأحمد، وابن خزيمة، وابن حبان، من حديث عقبة بن عامر قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، تَعَوَّذ بهنّ، فإنه لم يُتَعَوَّذ بمثلهنّ وفي لفظ: "اقرأ المعوّذات دبرَ كلِّ صلاة"، فذكرهنّ. انتهى (٢).


(١) "الفتح" ١٣/ ١٥٤ - ١٥٥ رقم (٥٧٣٥).
(٢) "الفتح" ١٣/ ٢٤٧ - ٢٤٨، كتاب "الطبّ" رقم (٥٠١٧).