للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"مسنده" (٤/ ٣٢)، و (الحا كم) في "المستدرك" (٤/ ٤٠١)، و (البيهقيّ) في "الكبرى" (٩/ ٣٤٣)، والله تعالى أعلم.

(المسألة الثالثة): في فوائده:

١ - (منها): بيان إباحة التعالج؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يُنكر ذلك عليهم.

٢ - (ومنها): بيان جواز إتيان المتطبب إلى صاحب العلة.

٣ - (ومنها): بيان أن الله -عزّ وجلّ- هو الممرض والشافي، وأنه لا يكون في ملكه إلا ما شاء، وأنه أنزل الداء والدواء، وقدّره، وقضى به، وكذلك ثبت عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يَرْقِي، ويقول: "اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، اشف شفاءً لا يغادر سَقَمًا"، وهذا يصحح لك أن المعالجة إنما هي لتطيب نفس العليل، ويأنس بالعلاج، ورجاء أن يكون من أسباب الشفا، كالتسبب لطلب الرزق الذي قد فُرغ منه.

٤ - (ومنها): ما قال ابن عبد البرّ -رحمه الله-: في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أنزل الدواء الذي أنزل الأدواء" دليل على أن البرء ليس في وسع مخلوق أن يعجّله قبل أن ينزل، ويقدّر وقته، وحينه، وقد رأينا المنتسبين إلى علم الطبّ يعالج أحدهم رجلين، وهو يزعم أن علتهما واحدة، في زمن واحد، وسنّ واحد، وبلد واحد، وربما كانا أخوين توأمين، غذاؤهما واحد، فعالجهما بعلاج واحد، فيُفيق أحدهما، ويموت الآخر، أو تطول علته، ثم يفيق عند الأمد المقدور له. انتهى (١)، والله تعالى أعلم.

(المسألة الرابعة): قال النوويّ -رحمه الله-: في هذا الحديث إشارة إلى استحباب الدواء، وهو مذهب أصحابنا، وجمهور السلف، وعامة الخلف، قال القاضي: في هذه الأحاديث جُمَلٌ من علوم الدين والدنيا، وصحة علم الطبّ، وجواز التطبيب في الجملة، واستحبابه بالأمور المذكورة في هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم، وفيها ردّ على من أنكر التداوي من غُلاة الصوفيّة، وقال: كل شيء بقضاء وقدر، فلا حاجة إلى التداوي، وحجة العلماء هذه الأحاديث، ويعتقدون أن الله تعالى هو الفاعل، وأن التداوي هو أيضًا مِن قَدَر الله، وهذا


(١) "التمهيد" لابن عبد البرّ ٥/ ٢٦٤.