للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كالأمر بالدعاء، وكالأمر بقتال الكفار، وبالتحصن، ومجانبة الإلقاء باليد إلى التهلكة، مع أن الأجل لا يتغير، والمقادير لا تتأخر، ولا تتقدم عن أوقاتها، ولا بدّ من وقوع المقدرات، والله أعلم.

قال الإمام أبو عبد الله المازريّ: ذكر مسلم هذه الأحاديث الكثيرة في الطب والعلاج، وقد اعتَرَضَ في بعضها من في قلبه مرض، فقال: الأطباء مجمعون على أن العسل مُسْهِل، فكيف يوصف لمن به الإسهال؟ ومجمعون أيضًا أن استعمال المحموم الماء البارد مخاطرة، قريب من الهلاك؛ لأنه يجمع المسامّ، ويحقن البخار، ويعكس الحرارة إلى داخل الجسم، فيكون سببًا للتلف، وينكرون أيضًا مداواة ذات الجنب بالقُسْط، مع ما فيه من الحرارة الشديدة، ويرون ذلك خطرًا.

قال المازريّ: وهذا الذي قاله هذا المعترض جهالة بينة، وهو فيها كما قال الله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} [يونس: ٣٩].

ونحن نشرح الأحاديث المذكورة في هذا الموضع، فنقول: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله"، فهذا فيه بيانٌ واضحٌ لأنه قد عُلِم أن الأطباء يقولون: المرض هو خروج الجسم عن المجرى الطبيعيّ، والمداواة ردّه إليه، وحفظ الصحة بقاؤه عليه، فحِفْظها يكون بإصلاح الأغذية، وغيرها، وردّه يكون بالموافق من الأدوية المضادّة للمرض، وبقراط يقول: الأشياء تداوى بأضدادها، ولكن قد يَدِقّ، ويغمض حقيقة المرض، وحقيقة طبع الدواء، فيقلّ الثقة بالمضادّة، ومن ها هنا يقع الخطأ من الطبيب فقط، فقد يظنّ العلة عن مادّة حارّة، فيكون عن غير مادّة، أو عن مادة باردة، أو عن مادة حارة دون الحرارة التي ظنها، فلا يحصل الشفاء، فكأنه -صلى الله عليه وسلم- نبَّه بآخر كلامه على ما قد يعارض به أوله، فيقال: قلتَ: "لكل داء دواءٌ"، ونحن نجد كثيرين من المرضى يداوون، فلا يبرءون، فقال: إنما ذلك لِفَقْد العلم بحقيقة المداواة، لا لفقد الدواء، وهذا واضح، والله أعلم. انتهى (١).

وقال ابن عبد البرّ -رحمه الله-: واختَلَف العلماء في هذا الباب، فذهبت منهم


(١) "شرح النوويّ" ١٤/ ١٩١ - ١٩٢.