للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

طائفة إلى كراهية الرُّقَى والمعالجة، قالوا: الواجب على المؤمن أن يترك ذلك؛ اعتصامًا بالله تعالى، وتوكلًا عليه، وثقةً به، وانقطاعًا إليه، وعلمًا بأن الرقية لا تنفعه، وأن تركها لا يضرّه؛ إذ قد علم الله أيام المرض، وأيام الصحة، فلا تزيد هذه بالرُّقَى، والعلاجات، ولا تنقص تلك بترك السعي والاحتيالات، لكل صنف من ذلك زمنٌ، قد علمه الله، ووقت قد قدّره قبل أن يخلق الخلق، فلو حَرَص الخلق على تقليل أيام المرض، وزمن الداء، أو على تكثير أيام الصحة، ما قدروا على ذلك، قال الله -عزّ وجلّ-: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد: ٢٢]، واحتجوا بحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعًا: "عُرِضت عليّ الأمم"، فذكر حديث السبعين الذين يدخلون الجنّة بغير حساب، وفيه: "فقال: هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون".

قال ابن عبد البرّ: فلهذه الفضيلة ذهب بعض أهل العلم إلى كراهية الرُّقَى، والاكتواء.

والآثار بهذا كثيرة ثابتة عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وممن ذهب إلى هذا داود بن عليّ، وجماعة من أهل الفقه والأثر.

وذهب آخرون من العلماء إلى إباحة الاسترقاء، والمعالجة، والتداوي، وقالوا: إن من سُنَّة المسلمين التي يجب عليهم لزومها لروايتهم لها عن نبيّهم -صلى الله عليه وسلم- الفَزَعَ إلى الله عند الأمر، يَعْرِض لهم، وعند نزول البلاء بهم، في التعوّذ بالله من كل شر، والى الاسترقاء، وقراءة القرآن، والذِّكر، والدعاء، واحتجوا بالآثار المروية عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في إباحة التداوي، والاسترقاء، منها قوله: "تداووا عبادَ الله، ولا تداووا بحرام، فإن الله لم يُنزل داء، إلا أنزل له دواء"، وبقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الشفاء في ثلاثة: في شَرْبة عسل، أو شُرْطة مِحْجَم، أو كَيّة نار، وما أحب أن أَكْتَوِيَ"، وبحديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن كان في شيء مما تداووا به خير فالحجامة"، وبحديث سمرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "خير ما يُتداوى به الحجامة"، وبحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- احتجم، واسْتَعَطَ، وأعطى الحجام أجره"، ورُوي عنه أنه قال: "إن كان دواء يبلغ الداء، فالحجامة تبلغه"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما خلق الله داء،