للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعًا: "الشِّفاء في ثلاث"، وذكرها، فحقَّق الخبر.

قال الجامع عفا الله عنه: قد أسلفت أن "إن" هنا للتهييج، فلا تغفل، والله تعالى أعلم.

قال: قال بعض علمائنا: أشار النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلى جميع ضروب المعاناة القياسيَّة، وذلك: أن العلل منها ما يكون مفهوم السبب، ومنها ما لا يكون كذلك، فالأول كغلبة أحد الأخلاط التي هي: الدم، والبلغم، والصفراء، والسَّوداء، فمعالجة ذلك باستفراغ ذلك الامتلاء بما يليق به من تلك الأمور المذكورات في الحديث، فمنها ما يُستفرغ بإخراج الدَّم بالشَّرط، وفي معناه: الفصد، والبطُّ، والعَلَقُ، ومنها ما يُستفرغ بالعسل وما في معناه من الأدوية المسهِّلة، ومنها ما يستفرغ بالكيّ؛ فإنه يجفف رطوبات موضع المرض، وهو آخر الطبِّ.

وأما ما كان من العلل عن ضعف قوة من القوى، فعلاجه بما يقوي تلك القوة من الأشربة، ومن أنفعها في ذلك: العسل إذا استُعمل على وجهه، وأما ما كان من العلل غير مفهوم السبب، فكالسِّحر، والعين، ونظرة الجنّ، فعلاجه بالرُّقَى، والكلامِ الحسن، وأنواع من الخواص مغيبة السِّرِّ، ولهذا القسم أشار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما رُوي عنه: أنه زاد في هذا الحديث: "أو آية من كتاب الله" زيادة على ما ذَكر فيما تقدَّم منه.

قال القرطبيّ: هذا معنى ما قاله علماؤنا، ويمكن أن يقال: إن هذه المذكورات في هذا الحديث إنما خُصَّت بالذكر؛ لأنَّها كانت أغلب أدويتهم، وأنفع لهم من غيرها بحكم اعتيادهم لها، ومناسبتها لغالب أمراضهم، ولا يلزم أن تكون كذلك في حقّ غيرهم ممن يخالفهم في بلادهم، وعاداتهم، وأهويتهم، ومن المعلوم بالمشاهدة اختلاف العلاجات والأدوية حسب اختلاف البلاد، والعادات، وإن اتحدت أسباب الأمراض. والله تعالى أعلم. انتهى (١).

(فَفِي شَرْطَةِ مَحْجَمٍ)؛ أي: فهو في شرطة محجم؛ أي: استفراغ الدم، وهو بفتح الشين: ضَرْبة مِشراط على مَحَل الْحَجْم؛ ليخرج الدم، والْمِحْجم


(١) "المفهم" ٥/ ٥٩٤ - ٥٩٥.