للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَا) نافية، (أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ") قال في "الفتح": هو من جنس تَرْكه -صلى الله عليه وسلم- أكل الضبّ، مع تقريره أكله على مائدته، واعتذاره بأنه يعافه. انتهى (١).

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "وما أحبُّ أن أكتوي"، وفي حديث ابن عبّاس -رضي الله عنهما- عند البخاريّ بلفظ: "وأنا أنهى أمتي عن الكيّ"، إنما كان ذلك لشدَّة ألم الكيّ، فإنَّه يُرْبِي على ألم المرض، ولذلك لا يُرجع إليه إلا عند العجز عن الشفاء بغيره من الأدوية، وأيضًا: فلأنَّه يشبه التعذيب بعذاب الله تعالى الذي نُهي عنه، وقد تقدَّم القول في هذا في الإيمان. انتهى (٢).

وقال ابن عبد البرّ -رحمه الله-: الكيّ باب من أبواب التداوي، والمعالجة، ومعلوم أن طلب العافية بالعلاج، والدعاء مباح، فلا يجب أن يُمتنع من التداوي بالكيّ وغيره إلا بدليل، لا معارض له، وقد عارض النهي عن الكي من الإباحة بما هو أقوى وعليه جمهور العلماء، ما أعلم بينهم خلافًا، أنهم لا يرون بأسًا بالكيّ عند الحاجة إليه، قال: فمن ترك الكيّ ثقةً بالله، وتوكلًا عليه، كان أفضل؛ لأن هذه منزلة يقينٍ صحيحٍ وتلك منزلة رخصةٍ وإباحة.

ثم أخرج بسنده حديث: "لم يتوكل مَن استرقَى، أو اكتوى ثم قال: معناه -والله أعلم- ما توكل حقَّ التوكل من استرقى، أو اكتوى؛ لأن من ترك ذلك توكلًا على الله، وعلمًا بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن أيام الصحة لا سقم فيها، كان أفضل منزلةً، وأعلى درجةً، وأكمل يقينٍ، وتوكلٍ والله أعلم، وقد قيل: إن الذي نُهي عنه من الكيّ هو ما يكون منه قبل نزول البلاء؛ حفظًا للصحة، وأما بعد نزول ما يحتاج فيه إلى الكيّ فلا.

(قَالَ) عاصم بن عمر (فَجَاءَ) ذلك الغلام (بِحَجَّامٍ) وفي بعض النسخ: "بالحجّام" (فَشَرَطَهُ)؛ أي: بزغه، يقال: شرط الحاجم يشرِط، ويشرُط، من بابي ضرب، ونصر: إذا بزغ، قاله الجوهريّ (٣). (فَذَهَبَ عَنْهُ)؛ أي: عن الرجل المشتكي (مَا يَجِدُ)؛ أي: من الألم، وفيه أن الحجامة من أنفع الأدوية، والله تعالى أعلم.


(١) "الفتح" ٦٣، كتاب "الطبّ" رقم (٥٦٨٠).
(٢) "المفهم" ٥/ ٥٩٥.
(٣) "الصحاح" ص ٥٤٣.