للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

غضب يُحَمِّي مزاجه، فيغيّر علاجه، أو هواء يتغير، أو غير ذلك، مما لا تحصى كثرته، فإذا وُجد الشفاء في شيء في حالة بالشخص لم يلزم منه الشفاء به في سائر الأحوال، وجميع الأشخاص، والأطباء مجمعون على أن المرض الواحد يختلف علاجه، باختلاف السنّ، والزمان، والعادة، والغذاء المتقدمة، والتدبير المألوف، وقوّة الطباع.

فإذا عرفت ما ذكرناه، فاعلم أن الإسهال يحصل من أنواع كثيرة، منها الإسهال الحادث من التخم، والهيضات (١)، وقد أجمع الأطباء في مثل هذا على علاجه بأن يترك الطبيعة وفعلها، وإن احتاجت إلى مُعِين على الإسهال أُعينت ما دامت القوّة باقيةً، فأما حبسها فضرر عندهم، واستعجال مرض، فيَحْتَمِل أن يكون هذا الإسهال للشخص المذكور في الحديث أصابه من امتلاء، أو هيضة، فدواؤه تَرْك إسهاله على ما هو، أو تقويته، فأَمَره -صلى الله عليه وسلم- بشرب العسل، فرآه إسهالًا، فزاده عسلًا، إلى أن فنيت المادّة، فوقف الإسهال، ويكون الخلط الذي كان يوافقه شرب العسل، فثبت بما ذكرناه أن العسل جارٍ على صناعة الطبّ، وأن المعترِض عليه جاهل لها، ولسنا نقصد الاستظهار لتصديق الحديث بقول الأطباء، بل لو كذّبوه كذبناهم، وكفّرناهم، فلو أوجدوا المشاهدة بصحة دعواهم تأولنا كلامه -صلى الله عليه وسلم- حينئذٍ، وخرّجناه على ما يصح، فذكرنا هذا الجواب، وما بعده عُدّةً للحاجة إليه، إن اعتضدوا بمشاهدة، وليظهر به جهلُ المعترض، وأنه لا يُحسن الصناعة التي اعتُرض بها، وانتسب إليها، وكذلك القول في الماء البارد للمحموم، فإن المعترض يقول على النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقل، فإنه -صلى الله عليه وسلم- لم يقل أكثر من قوله: "أبردوها بالماء"، ولم يُبيّن صفته، وحالته، والأطبّاء يسلّمون أن الْحُمّى الصفراويّ يُبرّد صاحبها بسقي الماء البارد الشديد البرودة، ويسقونه الثلج، ويغسلون أطرافه بالماء البارد، فلا يبعد أنه -صلى الله عليه وسلم- أراد هذا النوع من الحمّى والغسل على نحو ما قالوه، وقد ذكر مسلم هنا في "صحيحه" عن أسماء -رضي الله عنها- أنها كانت تُؤْتَى بالمرأة الموعوكة،


(١) قال في "القاموس": الْهَيْضة: معاودة الهمّ والحزن، والمرضَةُ بعد الْمَرْضة. انتهى.