للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فتصب الماء في جيبها، وتقول: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أبردوها بالماء"، فهذه أسماء راوية الحديث، وقربها من النبيّ -صلى الله عليه وسلم- معلوم تأولت الحديث على نحو ما قلناه، فلم يبق للملحد المعترض إلا اختراعه الكذب، واعتراضه به، فلا يُلتفت إليه.

وأما إنكارهم الشفاء من ذات الجَنْب بالقُسط فباطل، فقد قال بعض قدماء الأطباء: إن ذات الجنب إذا حدثت من البلغم، كان القُسط من علاجها، وقد ذكر جالينوس وغيره أنه ينفع من وجع الصدر، وقال بعض قدماء الأطباء: ويستعمل حيث يحتاج إلى إسخان عضو من الأعضاء، وحيث يحتاج إلى أن يجذب الخلط من باطن البدن إلى ظاهره، وهكذا قاله ابن سينا وغيره، وهذا يبطل ما زعمه هذا المعترض الملحد.

وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فيه سبعة أشفية": فقد أطبق الأطباء في كتبهم على أنه يُدِرّ الطمث، والبول، وينفع من السموم، ويُحَرِّك شهوة الجماع، ويقتل الدود، وحبّ القرع في الأمعاء، إذا شُرب بعسل، ويُذهب الكَلَف، إذا طُلِي عليه، وينفع من ضعف المعدة، والكبد، وبردهما، ومن حُمّى الورد، والربع، وغير ذلك، وهو صنفان: بحريّ، وهنديّ، والبحريّ: هو القسط الأبيض، وهو أكثر من صنفين، ونصّ بعضهم أن البحريّ أفضل من الهنديّ، وهو أقل حرارة منه، وقيل: هما حارّان يابسان في الدرجة الثالثة، والهنديّ أشد حرًّا في الجزء الثالث من الحرارة، وقال ابن سينا: القسط حارّ في الثالثة، يابس في الثانية، فقد اتَّفَقَ العلماء على هذه المنافع التي ذكرناها في القسط، فصار ممدوحًا شرعًا، وطِبًّا، وإنما عدّدنا منافع القسط من كتب الأطباء؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ذَكَر منها عددًا مجملًا.

وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن في الحبة السوداء شفاءً من كل داء، إلا السام"، فيُحْمَل أيضًا على العلل الباردة، على نحو ما سبق في القسط، وهو -صلى الله عليه وسلم- قد يصف بحسب ما شاهده من غالب أحوال أصحابه -رضي الله عنهم-.

وذكر القاضي عياض كلام المازري الذي قدمناه، ثم قال: وذَكَر الأطباء في منفعة الحبة السوداء التي هي الشونيز أشياء كثيرة، وخوَاصّ عجيبة، يُصَدِّقها قوله -صلى الله عليه وسلم- فيها، فذكر جالينوس أنها تحل النفخ، وتقتل ديدان البطن، إذا أكل،