للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن حمله على العموم هو الصواب، كما أشار إليه ابن القيّم -رحمه الله- في كلامه السابق؛ لأن التنصيص على بعض أفراد العامّ لا يُخصّص، فالحقّ أن الحديث على عمومه، فمن تيسّر له ماء زمزم كأهل مكة برّدها به، ومن لا؛ كغيرهم برّدها بما لديه من الماء، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

وقال ابن عبد البرّ -رحمه الله-: وأما معنى الحديث فقد فسرته فاطمة بنت المنذر في روايتها له عن أسماء، بأنها كانت تَصُبّ الماء بين المرأة المحمومة وبين جيبها؛ كأنها كانت تصبه بين طوق قميصها، وعنقها، حتى يصل إلى جسدها، وذكر ابن وهب في صفة الغسل للحمى حديثًا في "جامعه" مرفوعًا إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لرجل شكى إليه الحمى: "اغتسل ثلاثة أيام قبل طلوع الشمس، كل يوم، وقل: بسم الله، وبالله، اذهبي يا أم مِلْدَم فإن لم تذهب، فاغتسل سبعًا".

قال أبو عمر: مَن فعل شيئًا مما في هذين الحديثين، أو غيرهما مع اليقين الثابت، لم تلبث الحمى أن تُقلع إن شاء الله تعالى.

قال: وقد رَوَى ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الحمى من فيح جهنم، فابْرُدوها بماء زمزم"، رواه أبو جمرة عنه، ورَوَى مِقْسم عن ابن عباس أنه كان إذا حُمّ بَلّ ثوبه، ثم لبسه، ثم قال: "إنها من فيح جهنم، فابْرُدوها بالماء"، قال أبو عمر: تأويل ابن عباس حسن أيضًا إن شاء الله -عزّ وجلّ-. انتهى (١).

[تنبيه]: زاد في رواية البخاريّ من طريق مالك عن نافع في آخر الحديث ما نصّه: قال نافع: وكان عبد الله يقول: "اكشف عنّا الرجز". انتهى.

قال في "الفتح": قوله: "قال نافع: وكان عبد الله"؛ أي: ابن عمر يقول: اكشف عنا الرجز؛ أي: العذاب، وهذا موصول بالسند الذي قبله، وكأن ابن عمر فَهِم من كون أصل الحمى من جهنم أن من أصابته عُذِّب بها، وهذا التعذيب يختلف باختلاف محله، فيكون للمؤمن تكفيرًا لذنوبه، وزيادةً في


(١) "الاستذكار" لابن عبد البرّ ٨/ ٤١٩.