للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لكثرة المادة، وليس طبه -صلى الله عليه وسلم- كطب الأطباء، فإن طبّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- متيقنٌ، قطعيّ، إلهيّ، صادر عن الوحي، ومشكاة النبوة، وكمال العقل، وطبّ غيره أكثره حَدْسٌ، وظنون، وتجارب، ولا يُنْكَر عدم انتفاع كثير من المرضى بطب النبوة، فإنه إنما ينتفع به مَن تلقاه بالقبول، واعتقاد الشفاء به، وكمال التلقي له بالإيمان، والإذعان، فهذا القرآن الذي هو شفاء لِمَا في الصدور -إن لم يُتَلقّ هذا التلقي- لم يحصل به شفاء الصدور من أدوائها، بل لا يزيد المنافقين إلا رِجْسًا إلى رجسهم، ومرضًا إلى مرضهم، وأين يقع طب الأبدان منه؟ فطب النبوة لا يناسب إلا الأبدان الطيبة، كما أن شفاء القرآن لا يناسب إلا الأرواح الطيبة، والقلوب الحية، فإعراض الناس عن طب النبوة؛ كإعراضهم عن طب الاستشفاء بالقرآن الذي هو الشفاء النافع، وليس ذلك لقصور في الدواء، ولكن لخبث الطبيعة، وفساد المحلّ، وعدم قبوله، والله تعالى وليّ التوفيق. انتهى كلام ابن القيّم -رحمه اللهُ- (١)، وهو تحقيق حسن جدًّا، والله تعالى أعلم.

(فَسَقَاهُ، فَبَرَأَ)، وفي رواية أحمد عن يزيد بن هارون: "فقال في الرابعة: اسقه عسلًا، قال: فأظنه قال: فسقاه، فبرأ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الرابعة: صدق الله، وكذب بطن أخيك"، كذا وقع ليزيد بالشكّ، وفي رواية خالد بن الحارث: "فقال في الرابعة: صدق الله، وكذب بطن أخيك"، قال الحافظ -رحمه اللهُ-: والذي اتَّفَق عليه محمد بن جعفر، ومن تابعه أرجح، وهو أن هذا القول وقع منه -صلى الله عليه وسلم- بعد الثالثة، وأمره أن يسقيه عسلًا، فسقاه في الرابعة، فَبَرَأَ، وقد وقع في رواية سعيد بن أبي عروبة: "ثم أتاه الثالثة، فقال: اسقه عسلًا، ثم أتاه، فقال: قد فعلت، فسقاه، فبرأ". انتهى (٢).

وقوله: (فَبَرَأَ) قال الفيّوميّ -رحمه اللهُ-: بَرَأ من المرض يَبْرأُ، من بابي نَفَعَ، وتَعِبَ، وبَرُؤَ بُرْءًا، من باب قَرُبَ لغةٌ. انتهى.

وقال في "الفتح": "فبرأ" -بفتح الراء، والهمز، بوزن قرأ- وهي لغة أهل الحجاز، وغيرُهم يقولها بكسر الراء، بوزن عَلِم، وقد وقع في رواية أبي


(١) "زاد المعاد" ٥/ ٣٥ - ٣٦.
(٢) "الفتح" ١٣/ ١١٣، كتاب "الطبّ" رقم (٥٧١٦).