للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وبين طب الأبدان، وطب الأرواح، وبين الدواء الأرضيّ، والدواء السمائيّ. انتهى كلام ابن القيِّم -رحمه الله- (١)، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.

٢ - (ومنها): أن قوله -صلى الله عليه وسلم-: "صدق الله … إلخ" فيه تنبيه: على أنه انتزع هذا العلاج بالعسل من قول الله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: ٦٩]، قال القرطبيّ -رحمه الله-: والصحيح أن ضمير قوله: {فِيهِ} عائدٌ على العسل؛ بدليل هذا الحديث، ولأنه ليس في الآية ذكرٌ لغيره، وهو قول ابن عباس، وابن مسعود، والحسن، وقتادة، وقال مجاهد: هو عائد إلى القرآن، والأوَّل أَولى لِمَا ذكرناه.

قال: ومقتضى الآية أن العسل فيه شفاءٌ، لا كلُّ شفاءٍ؛ لأنَّ {شِفَاءٌ} نكرة في سياق الإثبات، ولا عموم فيها باتفاق أهل اللِّسان، ومحققي أهل الأصول، لكن قد حملتها طائفة من أهل الصدق والعزم على العموم، فكانوا يستشفون بالعسل من كل الأوجاع، والأمراض، وكانوا يستشفون من عللهم ببركة القرآن، وبصحة التصديق، والإيقان، وقد كان ابن عمر -رضي الله عنهما- لا يشكو قرحة، ولا شيئًا إلا جعل عليه عسلًا، حتى الدُّمَّلَ إذا خرج عليه طلاه عسلًا، فقيل له في ذلك؟ فقال: أليس الله سبحانه يقول: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ}. ورُوي: أن عوف بن مالك الأشجعيّ -رضي الله عنه- مَرِضَ، فقيل له: ألا نعالجك؟ فقال: ائتوني بماء، فإنَّ الله تعالى يقول: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا} [ق: ٩]، ثم قال: ائتوني بعسل، فإنَّ الله تعالى يقول: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ}، ثم قال: ائتوني بزيت، فإنَّ الله تعالى يقول: {مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} [النور: ٣٥]، فجاؤوه بذلك كله، فخلطه جميعًا، ثم شربه، فبَرَأَ.

وحَكَى النقَّاش عن أبي وجرة أنه كان يكتحل بالعسل، ويستمشي بالعسل، ويتداوى بالعسل، فهذا كله عَمَلٌ بمطلق القرآن الكريم، وأصله صِدْق النية، وصحة الإيمان (٢).

وقال ابن القيّم -رحمه الله-: وقد اختَلَف الناس في قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: ٦٩] هل الضمير في {فِيهِ}


(١) "زاد المعاد" ٥/ ٣٣ - ٣٣٥.
(٢) "المفهم" ٥/ ٦٠٩ - ٦١٠.