راجع إلى الشراب، أو راجع إلى القرآن؟ على قولين: الصحيح رجوعه إلى الشراب، وهو قول ابن مسعود، وابن عباس، والحسن، وقتادة، والأكثرين، فإنه هو المذكور، والكلام سيق لأجله، ولا ذِكر للقرآن في الآية، وهذا الحديث الصحيح، وهو قوله:"صدق الله" كالصريح فيه، والله تعالى أعلم. انتهى (١).
٣ - (ومنها): أن القرآن الكريم حاوٍ لأنواع من الطبّ والأدوية، فهو جامع لمصالح العباد الدنيويّة والأخرويّة، قال تعالى:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}[النحل: ٨٩]، وقال:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام: ٣٨]، والله تعالى أعلم.
٤ - (ومنها): أن في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "وكذب بطن أخيك" إشارة إلى أن هذا الدواء نافع، وأن بقاء الداء ليس لقصور الدواء في نفسه، ولكن لكثرة المادة الفاسدة، فمن ثم أمَرَه بمعاودة شرب العسل؛ لاستفراغها، فكان كذلك، وبرأ بإذن الله تعالى.
قال الخطابيّ: والطب نوعان: طب اليونان، وهو قياسيّ، وطب العرب، والهند، وهو تجاربيّ، وكان أكثر ما يصفه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لمن يكون عليلًا على طريقة طبّ العرب، ومنه ما يكون مما اطَّلَع عليه بالوحي.
وقد قال صاحب "كتاب المائة في الطبّ": إن العسل تارةً يَجري سريعًا إلى العروق، وينفذ معه جل الغذاء، ويُدِرّ البول، فيكون قابضًا، وتارةً يبقى في المعدة، فيهيجها بلذعها حتى يدفع الطعام، ويسهل البطن، فيكون مُسهلًا، فإنكار وصفه للمسهل مطلقًا قصور من المنكِرِ.
وقال غيره: طبّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- متيقن البرء؛ لصدوره عن الوحي، وطبّ غيره أكثره حَدْسٌ، أو تجربة، وقد يتخلف الشفاء عن بعض من يستعمل طب النبوة، وذلك لمانع قام بالمستعمل، من ضَعْف اعتقاد الشفاء به، وتلقيه بالقبول، وأظهر الأمثلة في ذلك القرآن الذي هو شفاء لِمَا في الصدور، ومع ذلك فقد لا يحصل لبعض الناس شفاء صدره؛ لقصوره في الاعتقاد، والتلقي بالقبول،