للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة -رحمه الله-: في قوله: "فلا تَقْدَموا عليه" فيه منع معارضة مُتَضَمّن الحكمة بالقدر، وهو من مادة قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥]، وفي قوله: "فلا تخرجوا فرارًا منه" إشارة إلى الوقوف مع المقدور، والرضا به، قال: وأيضًا فالبلاء إذا نزل إنما يُقْصَد به أهلُ البقعة، لا البقعة نفسها، فمن أراد الله إنزال البلاء به، فهو واقع به، ولا محالة، فأينما توجه يدركه، فأرشده الشارع إلى عدم النصب، من غير أن يدفع ذلك المحذور.


= إذا لم يكن خروجكم إلا للفرار، قال عياض: ووقع لبعض رواة "الموطأ": "لا يخرجكم الإفرار"، بأداة التعريف، وبعدها إفرار، بكسر الهمزة، وهو وَهَمٌ، ولحنٌ.
وقال في "المشارق" ما حاصله: يجوز أن تكون الهمزة للتعدية، يقال: أفره كذا من كذا، ومنه قوله -صلى الله عليه وسلم- لعدي بن حاتم: "إن كان لا يُفِرّك من هذا إلا ما ترى"، فيكون المعنى: لا يخرجكم إفراره إياكم.
وقال القرطبي في "المفهم": هذه الرواية غَلَطٌ؛ لأنه لا يقال: أَفَرّ، وإنما يقال: فَرّ، قال: وقال جماعة من العلماء: إدخال "إلّا" فيه غلطٌ، وقال بعضهم: هي زائدة، وتجوز زيادته، كما تزاد "لا"، وخرَّجه بعضهم بأنها للإيجاب، فذكر نحو ما مضى، قال: والأقرب أن تكون زائدة. وقال الكرمانيّ: الجمع بين قول ابن المنكدر: "لا تخرجوا فرارًا منه"، وبين قول أبي النضر: "لا يخرجكم إلا فرارًا منه" مشكلٌ، فإن ظاهره التناقض، ثم أجاب بأجوبة؛ أحدها: أن غرض الراوي، أن أبا النضر فَسَّر: "لا تخرجوا" بأن المراد منه الحصر، يعني الخروج المنهيّ هو الذي يكون لمجرد الفرار، لا لغرض آخر، فهو تفسير للمعلل المنهيّ عنه، لا للنهي.
وتعقّبه الحافظ، فقال: وهو بعيد؛ لأنه يقتضي أن هذا اللفظ من كلام أبي النضر، زاده بعد الخبر، وأنه موافق لابن المنكدر على اللفظ الأول رواية، والمتبادر خلاف ذلك، والجواب الثاني كالأول، والزيادة مرفوعة أيضًا، فيكون روى اللفظين، ويكون التفسير مرفوعًا أيضًا.
الثالث: "إلا" زائدة بشرط أن تثبت زيادتها في كلام العرب. انتهى ما في "الفتح" ٨/ ١٣٣ - ١٣٤، كتاب "الأنبياء" رقم (٣٤٧٣).