وقال الشيخ تقيّ الدين ابن دقيق العيد -رحمه الله-: الذي يترجح عندي في الجمع بينهما أن في الإقدام عليه تعريض النفس للبلاء، ولعلها لا تصبر عليه، وربما كان فيه ضرب من الدعوى لمقام الصبر، أو التوكل، فمُنع ذلك حذرًا من اغترار النفس، ودعواها ما لا تثبت عليه عند الاختبار، وأما الفرار فقد يكون داخلًا في التوغل في الأسباب بصورة من يحاول النجاة ممّا قُدِّر عليه، فأمرنا الشارع بترك التكلف في الحالتين، ومن هذه المادة قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تتمنوا لقاء العدوّ، وإذا لقيتموهم فاصبروا"، فأمر بترك التمني؛ لِمَا فيه من التعرض للبلاء، وخوف اغترار النفس؛ إذ لا يؤمَن غدرها عند الوقوع، ثم أمرهم بالصبر عند الوقوع؛ تسليمًا لأمر الله تعالى، ذكره في "الفتح"(١).
(قَالَ) ابن عبّاس -رضي الله عنهما- (فَحَمِدَ اللهَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) -رضي الله عنه- على موافقة اجتهاده بعد المشاورة ما صحّ عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، من النهي عن الدخول في البلد الذي وقع فيه الوباء، (ثُمَّ انْصَرَفَ)؛ أي: رجع إلى المدينة، وفي رواية معمر التالية:"فسار حتى أتى المدينة، فقال: هذا المحلُّ، أو قال: هذا المنزل، إن شاء الله"، والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [١٧/ ٥٧٧٠ و ٥٧٧١ و ٥٧٧٢ و ٥٧٧٣](٢٢١٩)، و (البخاريّ) في "الطبّ"(٥٧٢٩ و ٥٧٣٠) و"الحيل"(٦٩٧٣)، و (أبو داود) في "الجنائز"(٣١٠٣)، و (النسائيّ) في "الكبرى"(٧٥٢٢)، و (مالك) في "الموطأ"(٢/ ٨٩٤ - ٨٩٦)، و (عبد الرزّاق) في "مصنّفه"(١١/ ١٤٧)، و (أحمد) في "مسنده"(١/ ١٩٢ و ١٩٤)، و (ابن حبّان) في "صحيحه"(٢٩٥٣)، و (الطحاويّ) في "شرح معاني الآثار"(٤/ ٣٠٣)، و (الشاشيّ) في "مسنده"(١/ ٢٦٨ و ٢٧٠)،