١٣ - (ومنها): أن العالم قد يوجد عند من هو في العلم دونه ما لا يوجد منه عنده؛ لأنه معلوم أن موضع عمر -رضي الله عنه- من العلم، ومكانه من الفهم، ودُنُوّه من رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المدخل والمخرج فوق عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-، وقد كان في هذا الباب عند عبد الرحمن عنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما جهله عمر -رضي الله عنه-.
١٤ - (ومنها): أن القاضي، والإمام، والحاكم، لا ينفذون قضاءهم، ولا يفصلونه إلا عن مشورة من بحضرتهم، ويصل إليهم، ويقدرون عليه، من علماء موضعهم، وهذا مشهور من مذهب عمر -رضي الله عنه-، كما في هذه القصّة.
١٥ - (ومنها): أنه دليلٌ على عظيم ما كان عليه القوم من الإنصاف للعلم، والانقياد إليه، وكيف لا يكون كذلك، وهم خير الأمم -رضي الله عنهم-؟.
١٦ - (ومنها): استعمال خبر الواحد، وقبوله، وإيجاب العمل به، قال ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللهَ-: وهذا هو أوضح، وأقوى ما نرى من جهة الآثار في قبول خبر الواحد؛ لأن ذلك كان في جماعة الصحابة، وبمحضرهم، في أمر قد أشكل عليهم، فلم يقل عمر لعبد الرحمن بن عوف: أنت واحد، والواحد لا يجب قبول خبره، إنما يجب قبول خبر الكافّة، ما أعظم ضلال من قال بهذا والله -عَزَّ وَجَلَّ- يقول:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}[الحجرات: ٦]، وقرئ:"فتثبتوا"، فلو كان العدل إذا جاء بنبأ يُتثبت في خبره، ولم يُنَفّذ لاستوى الفاسق والعدل، وهذا خلاف القرآن، قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ}[ص: ٢٨]. انتهى (١).
١٧ - (ومنها): ما قاله في "الفتح" -وإن كان تقدّم معناه، إلا أنه مجموع ملخّص، أحببت إيراده تثبيتًا لِمَا مضى- قال: وفي قصّة عمر -رضي الله عنه- من الفوائد: مشروعية المناظرة، والاستشارة في النوازل، وفي الإحكام، وأن الاختلاف لا يوجب حُكْمًا، وأن الاتفاق هو الذي يوجبه، وأن الرجوع عند الاختلاف إلى النصّ، وأن النصّ يسمى علمًا، وأن الأمور كلها تجري بقدر الله، وعلمه، وأن العالم قد يكون عنده ما لا يكون عند غيره، ممن هو أعلم منه، وفيه وجوب العمل بخبر الواحد، وهو من أقوى الأدلة على ذلك؛ لأن ذلك كان باتفاق
(١) راجع لهذه الفوائد "التمهيد" لابن عبد البرّ ٨/ ٣٦٥ - ٣٦٦.