للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أهل الحلّ والعقد، من الصحابة -رضي الله عنهم-، فقبلوه من عبد الرحمن بن عوف، ولم يطلبوا معه مقويًا، وفيه الترجيح بالأكثر عددًا، والأكثر تجربةً؛ لرجوع عمر -رضي الله عنه- لقول مشيخة قريش، مع ما انضم إليهم ممن وافق رأيهم من المهاجرين والأنصار، فإن مجموع ذلك أكثر من عدد من خالفه، من كلٍّ من المهاجرين، والأنصار، ووازن ما عند الذين خالفوا ذلك من مزيد الفضل في العلم، والدين ما عند المشيخة من السنّ والتجارب، فلما تعادلوا من هذه الحيثية، رَجّح بالكثرة، ووافق اجتهاده النصّ، فلذلك حمد الله تعالى على توفيقه لذلك، وفيه تفقد الإمام أحوال رعيته، لِمَا فيه من إزالة ظلم المظلوم، وكشف كربة المكروب، ورح أهل الفساد، وإظهار الشرائع، والشعائر، وتنزيل الناس منازلهم (١).

واستَدَلَّ ابن الباقلانيّ بقصة عمر -رضي الله عنه- على أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا

يقدِّمون خبر الواحد على القياس؛ لأنهم اتفقوا على الرجوع اعتمادًا على خبر عبد الرحمن بن عوف وحده، بعد أن ركبوا المشقة في المسير من المدينة إلى الشام، ثم رجعوا، ولم يدخلوا الشام. انتهى (٢).

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: (واعلم): أن في حديث عمر -رضي الله عنه- هذا فوائدَ كثيرةً، منها: خروج الإمام بنفسه في ولايته، في بعض الأوقات؛ ليشاهد أحوال رعيته، ويزيل ظلم المظلوم، ويكشف كرب المكروب، ويَسُدّ خلة المحتاج، ويقمع أهل الفساد، ويخافه أهلُ البطالة، والأذي، والولاةُ، ويحذروا تجسسه عليهم، ووصول قبائحهم إليه، فينكفوا، ويقيم في رعيته شعائر الإسلام، ويؤدب من رآهم مخلين بذلك، ولغير ذلك من المصالح، ومنها تلقي الأمراء، ووجوه الناس الإمامَ عند قدومه، وإعلامهم إياه بما حدث في بلادهم من خير وشرّ، ووباء، ورخص وغلاء، وشدة ورخاء، وغير ذلك، ومنها: استحباب مشاورة أهل العلم والرأي في الأمور الحادثة، وتقديم أهل السابقة في ذلك، ومنها: تنزيل الناس منازلهم، وتقديم أهل الفضل على غيرهم، والابتداء بهم


(١) "الفتح" ١٣/ ١٤٦، كتاب "الطبّ" رقم (٥٧٢٩).
(٢) "الفتح" ١٦/ ٢٦٦، كتاب "الحيل" رقم (٦٩٧٣).