للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في المكارم، ومنها: جواز الاجتهاد في الحروب ونحوها، كما يجوز في الإحكام، ومنها: قبول خبر الواحد، فإنهم قبلوا خبر عبد الرحمن -رضي الله عنه-، ومنها: صحة القياس، وجواز العمل به، ومنها: ابتداء العالم بما عنده من العلم قبل أن يُسأله، كما فعل عبد الرحمن -رضي الله عنه-، ومنها: اجتناب أسباب الهلاك، ومنها: منع القدوم على الطاعون، ومنع الفرار منه. انتهى (١)، والله تعالى أعلم.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ- (٢): [تكميل]: قال أبو عمر -رَحِمَهُ اللهُ-: لم يبلغني أن أحدًا من حملة العلم فرَّ من الطاعون، إلا ما ذكره ابن المدائني أن علي بن زيد بن جُدْعان هرب من الطاعون إلى السَّيالة، فكان يُجَمِّع كل جمعة، ويرجع، فكان إذا جَمَّع صاحوا به: فرَّ من الطَّاعون، فطُعِن، فمات بالسَّيالة (٣)، وذكر أبو حاتم عن الأصمعيّ: هرب بعض البصريين من الطاعون، فركب حمارًا له، ومضى بأهله نحو سَفَوان (٤)، فسمع حاديًا يحدو خلفه:

لن يُسْبَقَ اللهُ عَلَى حمارٍ … وَلَا عَلَى ذِي مَنْعَةٍ طيَّارِ

أَوْ يَأتِيَ الْحَتْفُ عَلَى مِقْدَارِ … قَدْ يُصْبِحُ اللهُ أَمَامَ السَّارِي

وذكر المدائنيّ قال: وقع الطاعون بمصر في ولاية عبد العزيز بن مروان، فخرج هاربًا منه، فنزل قرية من قرى الصعيد يقال لها: سُكَر، فَقَدِم عليه رسول لعبد الملك، فقال له: ما اسمك؟ فقال: طالب بن مُدرك، فقال: أوَّه! ما أُراني راجعًا إلى الفسطاط، فمات في تلك القرية.

وروى أبو عمر عن الأصمعيّ قال: لما وقع طاعون الجارف بالبصرة فني أهلها، وامتنع الناس من دفن موتاهم، فدخلت السباع البصرة على ريح الموتي، وخلت سكَّة بني جرير فلم يُبقِ الله فيها سوى جارية، فسمعت صوت الذئب في سِكَّتهم ليلًا، فأنشأت تقول [من الطويل]:

أَلَا أَيُّهَا الذِّئْبُ الْمُنَادِي بِسَحْرَةٍ … إِلَيَّ أُنَبِّئْكَ الَّذِي قَدْ بَدَا لِيَا


(١) "شرح النوويّ" ١٤/ ٢١٢.
(٢) "المفهم" ٥/ ٦١٩ - ٦٢٠.
(٣) "السَّيَالة": هي أول مرحلة لأهل المدينة إذا أرادوا مكة.
(٤) سَفَوَان: ماء على مرحلة من باب المِرْبد بالبصرة.