عمر -رضي الله عنه-: اللهم إن الناس قد نحلوني ثلاثًا، أنا أبرأ إليك منهنّ، زعموا أني فررت من الطاعون، وأنا أبرأ إليك من ذلك"، وذكر الطلاء، والمكس، وقد ورد عن غير عمر التصريح بالعمل في ذلك بمحض التوكل، فأخرج ابن خزيمة بسند صحيح: "عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن الزبير بن العوّام خرج غازيًا نحو مصر، فكتب إليه أمراء مصر أن الطاعون قد وقع، فقال: إنما خرجنا للطعن والطاعون، فدخلها فلقي طعنًا في جبهته، ثم سَلِم". انتهي، والله تعالى أعلم (١).
(المسألة الخامسة): في الحديث أيضًا منع من وقع الطاعون ببلد هو فيها من الخروج منها، وقد اختَلَف الصحابة في ذلك، كما تقدم، وكذا أخرج أحمد بسند صحيح إلى أبي مُنِيب، "أن عمرو بن العاص قال في الطاعون: إن هذا رجزٌ مثل السيل، من تنكّبه أخطأه، ومثلُ النار، من أقام أحرقته، فقال شرحبيل ابن حسنة: إن هذا رحمة ربكم، ودعوة نبيكم، وقَبْض الصالحين قبلكم".
قال الحافظ: وأبو منيب -بضم الميم، وكسر النون، بعدها تحتانية ساكنة، ثم موحدة- وهو دمشقيّ، نزل البصرة، يُعرف بالأحدب، وثّقه العجليّ، وابن حبان، وهو غير أبي منيب الْجُرَشيّ فيما ترجح عندي؛ لأن الأحدب أقدم من الجرشيّ، وقد أثبت البخاريّ سماع الأحدب من معاذ بن جبل، والجرشيّ يروي عن سعيد بن المسيب، ونحوه.
وللحديث طريق أخري، أخرجها أحمد أيضًا من رواية شُرحبيل بن شُفْعة -بضم المعجمة، وسكون الفاء- عن عمرو بن العاص، وشُرحبيل ابن حسنة بمعناه.
وأخرجه ابن خزيمة، والطحاويّ، وسنده صحيح، وأخرجه أحمد، وابن خزيمة أيضًا، من طريق شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غَنْم، عن عمرو بن شُرحبيل بمعناه.
وأخرج أحمد، من طريق أخرى أن المراجعة في ذلك أيضًا وقعت من
(١) "الفتح" ١٣/ ١٤١ - ١٤٢، كتاب "الطبّ" رقم (٥٧٢٩).