الحديث؛ لأن فيه إثبات العدوى التي نفاها الشارع، ولكن وجه الحديث عندي ما ذكرته، وأطنب ابن خزيمة في هذا في "كتاب التوكل"، فإنه أورد حديث:"لا عدوى" عن عدّة من الصحابة، وحديث:"لا يورد ممرض على مصحّ" من حديث أبي هريرة، وترجم للأول:"التوكل على الله في نفي العدوى"، وللثاني:"ذكر خبر غَلِطَ في معناه بعض العلماء، وأثبت العدوى التي نفاها النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-"، ثم ترجم:"الدليلُ على أن النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يُرد إثبات العدوى بهذا القول"، فساق حديث أبي هريرة:"لا عدوي، فقال أعرابيّ: فما بال الإبل يخالطها الأجرب، فتجرب؟، قال: فمن أعدى الأول؟ "، ثم ذكر طرقه عن أبي هريرة، ثم أخرجه من حديث ابن مسعود، ثم ترجم:"ذكرُ خبر رُوي في الأمر بالفرار من المجذوم، قد يخطر لبعض الناس أن فيه إثبات العدوي، وليس كذلك"، وساق حديث:"فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد"، من حديث أبي هريرة، ومن حديث عائشة، وحديث عمرو بن الشَّرِيد، عن أبيه، في أمر المجذوم بالرجوع، وحديث ابن عباس:"لا تُديموا النظر إلى المجذومين"، ثم قال: إنما أمرهم -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالفرار من المجذوم، كما نهاهم أن يورد الممرض على المصحّ؛ شفقةً عليهم، وخشيةَ أن يصيب بعض من يخالطه المجذوم الجذام، والصحيح من الماشية الجرب، فيسبق إلى بعض المسلمين أن ذلك من العدوي، فيُثبت العدوى التي نفاها -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأمرهم بتجنب ذلك؛ شفقةً منه، ورحمةً؛ لِيَسْلَموا من التصديق بإثبات العدوي، وبيّن لهم أنه لا يُعدي شيء شيئًا، قال: ويؤيد هذا أكْله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع المجذوم ثقةً بالله، وتوكلًا عليه، وساق حديث جابر في ذلك، ثم قال: وأما نهيه عن إدامة النظر إلى المجذوم، فيَحْتَمِل أن يكون؛ لأن المجذوم يغتمّ، ويُكره إدمان الصحيح نَظَره إليه؛ لأنه قلّ من يكون به داء، إلا وهو يَكره أن يطلع عليه. انتهى.
وهذا الذي ذكره احتمالًا سبقه إليه مالك، فإنه سئل عن هذا الحديث، فقال: ما سمعت فيه بكراهية، وما أدري ما جاء من ذلك إلا مخافةَ أن يقع في نفس المؤمن شيء.
وقال الطبريّ: الصواب عندنا القول بما صحّ به الخبر، وأن لا عدوي، وأنه لا يصيب نفسًا إلا ما كُتب عليها، وأما دنوّ عليل من صحيح، فغير موجب