للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكان أكثرهم يتطيّرون، ويعتمدون على ذلك، ويصح معهم غالبًا؛ لتزيين الشيطان ذلك، وبقيت من ذلك بقايا في كثير من المسلمين.

وقد أخرج ابن حبان في "صحيحه" من حديث أنس -رضي الله عنه- رفعه: "لا طِيَرَةَ، والطِّيَرة على من تَطَيَّر".

وأخرج عبد الرزاق، عن معمر، عن إسماعيل بن أمية، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثةٌ لا يَسْلَم منهنّ أحد: الطيرة، والظنّ، والحسد، فإذا تطيّرت فلا ترجع، وإذا حسدت فلا تَبْغِ، وإذا ظننت فلا تُحَقِّق".

قال الحافظ: وهذا مرسل، أو معضل، لكن له شاهدٌ، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، أخرجه البيهقيّ في "الشعب"، وأخرج ابن عديّ بسند لَيِّن عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، رفعه: "إذا تطيرتم فامضوا، وعلى الله فتوكلوا"، وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء -رضي الله عنه-، رفعه: "لن ينال الدرجات العُلا من تكهّن، أو استقسم، أو رجع من سفر تطيّرًا"، قال الحافظ: ورجاله ثقات إلا أنني أظن أن فيه انقطاعًا، وله شاهد عن عِمران بن حُصين -رضي الله عنهما-، وأخرجه البزار في أثناء حديث بسند جيّد، وأخرج أبو داود، والترمذيّ، وصححه هو وابن حبان، عن ابن مسعود -رضي الله عنه-، رفعه: "الطِّيَرَة شركٌ، وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل".

وقوله: "وما منّا إلا" من كلام ابن مسعود -رضي الله عنه-، أُدرج في الخبر، وقد بيّنه سليمان بن حرب شيخ البخاريّ، فيما حكاه الترمذيّ، عن البخاريّ عنه، وإنما جُعِل ذلك شركًا؛ لاعتقادهم أن ذلك يجلب نفعًا، أو يدفع ضرًّا، فكأنهم أشركوه مع الله تعالى.

وقوله: "ولكن الله يذهبه بالتوكل" إشارة إلى أن من وقع له ذلك، فَسَلَّم لله، ولم يعبأ بالطيرة، أنه لا يؤاخَذ بما عَرَض له من ذلك.

وأخرج البيهقيّ في "الشُّعَب" من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- موقوفًا: "مَن عَرَض له من هذه الطيرة شيء، فليقل: اللهم لا طَيْرَ إلا طيرُك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك" (١).


(١) "الفتح" ١٣/ ١٨٣ - ١٨٥، كتاب "الطبّ" رقم (٥٧٥٤).