للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أي: النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (أَمَرَ بِقَتْلِهِ)؛ أي: بقتل الوزغ، قال القرطبيّ - رحمه الله -: لا حجَّة فيه على نفي القتل؛ إذ قد نَقَل الأمر بقتله أمُّ شريك، وغيرها، ومن نقل حجَّة على من لم يَنْقل. انتهى (١).

وقال أبو عمر - رحمه الله -: وليس قول من قال: لم أسمع الأمر بقتل الوزغ بشهادة، والقول قول من شَهِد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الوزغ، وقد أجمعوا أن الوزغ ليس بصيد، وأنه ليس مما أُبيحَ أكله. انتهى (٢).

وقال ابن التين: هذا لا حجة فيه؛ لأنه لا يلزم من عدم سماعها عدم الوقوع، وقد حَفِظ غيرها، كما ترى، قال الحافظ: قد جاء عن عائشة - رضي الله عنها - من وجه آخر عند أحمد، وابن ماجه أنه كان في بيتها رُمْح موضوع، فسئلت، فقالت: نقتل به الوزغ، فإن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا أن إبراهيم لَمّا أُلقي في النار لم يكن في الأرض دابّة إلا أطفأت عنه النار، إلا الوزغ، فإنها كانت تنفخ عليه، فأمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بقتلها.

قال: والذي في "الصحيح" أصحّ، ولعل عائشة - رضي الله عنها - سمعت ذلك من بعض الصحابة، وأطلقت لفظ أخبرنا مجازًا؛ أي: أخبر الصحابة، كما قال ثابت البنانيّ: خطبنا عمران، وأراد أنه خطب أهل البصرة، فإنه لم يسمع منه، والله أعلم. انتهى كلام الحافظ - رحمه الله -، وهو تحقيقٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

وقال في "الفتح" أيضًا في موضع آخر: قوله: "ولم أسمعه أمر بقتله" هو مقول عائشة - رضي الله عنها -، والضمير للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقضية تسميته إياه فويسقًا أن يكون قَتْله مباحًا، وكونها لم تسمعه لا يدلّ على مَنْع ذلك، فقد سمعه غيرها، كما ثبت عن سعد بن أبي وقاص وغيره، ونقل ابن عبد البرّ الاتفاق على جواز قتله في الحلّ والحرم، لكن نقل ابن عبد الحكم وغيره عن مالك: لا يَقْتُل المحرم الوزغ، زاد ابن القاسم: وإن قَتَله يتصدق؛ لأنه ليس من الخمس المأمور بقتلها، ورَوَى ابن أبي شيبة أن عطاء سئل عن قتل الوزغ في الحرم، فقال: إذا آذاك فلا بأس بقتله، وهذا يُفْهم توقُّف قتله على أذاه. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: الذي يظهر قول من قال بجواز قتله في الحلّ


(١) "المفهم" ٥/ ٥٤٠.
(٢) "التمهيد" لابن عبد البرّ ١٥/ ١٨٧.