القرطبيّ - رحمه الله -: إنما فرَّق بينهما؛ لأن الربَّ من أسماء الله تعالى المستعملة بالاتفاق، واختُلف في السَّيِّد: هل هو من أسماء الله تعالى، أم لا؟ فإذا قلنا: ليس من أسمائه، فالفرق واضح؛ إذ لا التباس، ولا إشكال يلزم من إطلاقه، كما يلزم من إطلاق الرَّبِّ، وإذا قلنا: إنه من أسمائه؛ فليس في الشهرة والاستعمال كلفظ الربِّ؛ فيحصل الفرق بذلك، وأما من حيث اللغة: فالربُّ مأخوذٌ مما ذكرناه، والسَّيِّد من السؤدد، وهو التقدُّم، يقال: ساد قومه: إذا تقدَّمهم، ولا شكَّ في تقدُّم السَّيِّد على غلامه، فلما حصل الافتراق جاز الإطلاق. انتهى (١).
[تنبيه]: إذا أطلق "ربّ" على غير الله تعالى، فإنما يُطلق مضافًا، فيقال: ربُّ الدَّار، وربُّ الفرس، ولا يُطلق، وفيه الألف واللام إلا إذا أريد به الله تعالى، قاله الجوهري، وغيره (٢).
والحديث متّفقٌ عليه، وقد مضى تمام البحث فيه في الحديث الماضي، ولله الحمد والمنّة.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف - رحمه الله - أوّل الكتاب قال:
[٥٨٦٢] (. . .) - (وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ (ح) وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، كِلَاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَفِي حَدِيثِهِمَا: "وَلَا يَقُلِ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ: مَوْلَايَ"، وَزَادَ فِي حَدِيثِ أَبي مُعَاوِيَةَ: "فَإِنَّ مَوْلَاكُمُ اللهُ - عز وجل -").
رجال هذا الإسناد: ستة:
١ - (أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ) عبد الله بن سعيد بن حُصين الكنديّ الكوفيّ، ثقةٌ، من صغار [١٠] (ت ٢٥٧) (ع) تقدم في "المقدمة" ٤/ ١٧.
والباقون كلهم تقدّموا قريبًا.
وقوله: (وَلَا يَقُلِ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ: مَوْلَايَ. . . إلخ) قال القاضي عياض - رحمه الله -: وأما قوله في كتاب مسلم في رواية وكيع، وأبي معاوية، عن الأعمش، عن
(١) "المفهم" ٥/ ٥٥٤.
(٢) "المفهم" ٥/ ٥٥٤.