للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[والجواب]: أن مرسل الصحابي ما يَرويه من الأمور التي لم يُدرك زمانها، بخلاف الأمور التي يدرك زمانها، فإنها لا يقال: إنها مرسلة، بل يُحْمَل على أنه سمعها، أو حضرها، ولو لم يُصَرِّح بذلك، ولا يختص هذا بمرسل الصحابيّ، بل مرسل التابعي إذا ذَكَر قصة لم يحضرها سُمّيت مرسلةً، ولو جاز في نفس الأمر أن يكون سَمِعها من الصحابي الذي وقعت له تلك القصة، وأما الأمور التي يُدركها فيُحْمَل على أنه سمعها أو حضرها، لكن بشرط أن يكون سالِمًا من التدليس.

قال: ويؤيد أنها سمعت ذلك من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قولها في أثناء هذا الحديث: "فجاءه الملك، فقال: اقرأ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما أنا بقارئٍ، قال: فأخذني … " إلى آخره، فقوله: "قال: فأخذني، فَغَطّني" ظاهر في أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أخبرها بذلك، فتُحمَل بقية الحديث عليه. انتهى (١).

وقوله: (مِنَ الْوَحْي) يحتمل أن تكون "من" فيه تبعيضية؛ أي: من أقسام الوحي، ويحتمل أن تكوَن بيانيةً، ورجحه القَزّاز (٢)، قاله في "الفتح" (٣).

وقال القاضي عياض: وقال أبو عبد الله القزّاز: قوله: "من الوحي"، "من" هنا لإبانة الجنس، كأنه قال: من جنس الوحي، وليست من الوحي، فتكون "من" للتبعيض، ولذلك قال: "في النوم"، ورؤيا الأنبياء في الصحّة كالوحي انتهى.

قال القاضي: قد جاء في الحديث الآخر أنها جزء من أجزاء النبوّة، وقدّمنا أنها من جملة خصالها، والوحي أنواع وضُرُوب، وينطلق على معانٍ، فلا يبعد أن تكون "من" للتبعيض على هذا، وأصله الإعلام، ورؤيا المنام إعلام، وإنذار، وبِشارة انتهى (٤).

قال الجامع عفا الله عنه: الحقّ أن رؤيا الأنبياء وحيٌ، وليس مثله، وقد


(١) "الفتح" ٨/ ٥٨٧ "كتاب التفسير" رقم (٤٩٥٤).
(٢) هو محمد بن جعفر أبو عبد الله التميميّ القيروانيّ، أحد كبار اللغويين، صاحب "الجامع" في اللغة، توفّي سنة (٤١٢ هـ). "بغية الوعاة".
(٣) "الفتح" ١/ ٣١.
(٤) "إكمال المعلم" ١/ ٦٢٠ - ٦٢١.