للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثبتٌ في "الصحيحين" قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوّة"، هذا في مطلق الرؤيا، فما بالك في رؤيا الأنبياء؛ وقد صحّ عن ابن عبّاس - رضي الله عنهما - أنه قال: رؤيا الأنبياء وحيٌ (١).

والحاصل أن كون "من " للتبعيض هو الحقّ، على أن كونها للجنس أيضًا لا ينافي معنى البعضيّة، فتأمله بإنصاف، والله تعالى أعلم.

والمقصود أن أول ما بدئ به - صلى الله عليه وسلم - في أول المبتدءات من إيجاد الوحي الرؤيا، وأما مطلق ما يَدُلّ على نبوته، فتقدمت له أشياء، مثل تسليم الحجر، كما ثبتٌ في "صحيح مسلم" من حديث جابر بن سمرة - رضي الله عنه -، وما سمعه من بَحِيرا الراهب، وهو عند الترمذي بإسناد قويّ، عن أبي موسى، ثم ما سمعه عند بناء الكعبة، حيث قيل له: "اشدُد عليك إزارك"، وهو في "صحيح البخاريّ" من حديث جابر - رضي الله عنه -.

(الرُّؤْيَا الصَّادِقَةَ) أي: التي ليس فيها ضِغْثٌ، ولا تلبيس شيطان، ووقع عند البخاريّ من طريق عُقيل عن ابن شهاب بلفظ: "الرؤيا الصالحة"، وكلاهما بمعنًى واحد بالنسبة إلى أمور الآخرة في حقّ الأنبياء، وأما بالنسبة إلى أمور الدنيا، فالصالحة في الأصل أخصّ، فرؤيا النبيّ كلها صادقة، وقد تكون صالحةً، وهي الأكثر، وغير صالحة بالنسبة للدنيا، كما وقع في الرؤيا يوم أحد، وأما رؤيا غير الأنبياء فبينهما عموم وخصوص، إن فَسَّرنا الصادقة بأنها التي لا تَحتاج إلى تعبير وأما إن فسرناها بأنها غير الأضغاث، فالصالحة أخَصُّ مطلقًا، وقال الإمام نصر بن يعقوب الدِّينَوريّ في "التعبير القادري": الرؤيا الصادقة ما يقع بعينه، أو ما يُعَبَّر في المنام، أو يُخبِر به ما لا يكذب، والصالحة ما يَسُرّ. انتهى (٢).

وقال القاضي عياضٌ رحمه الله: في هذا حكمة من الله تعالى، وتدريج لنبيّه - صلى الله عليه وسلم - لِمَا أراد الله به جلّ اسمه؛ لئلا يَفْجَأه الملك، ويأتيه صريح النبوّة بغتةً، فلا يتحمّلها قُوَى البشريّة، فبُدئ بأوائل خصال النبوّة، وتباشير الكرامة،


(١) انظر: "صحيح الترمذيّ" للشيخ الألبانيّ رحمه الله تعالى رقم (٦٢٠).
(٢) "الفتح" ١٢/ ٣٧١ "كتاب التعبير" رقم (٦٩٨٢).