للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

و"الخلاء" بالمدِّ: الخلوة، والسرُّ فيه أن الخلوة فيها فراغ القلب لما يتوجه له، وهي شأن الصالحين، وعباد الله العارفين.

ثم إن التعبير بـ "ثُمَّ" ظاهرٌ في أن الرؤيا الصادقة كانت قبل أن يُحَبَّب إليه الخلاء، ويحتمل أن تكون لترتيب الإخبار، فيكون تحبيب الخلوة سابقًا على الرؤيا الصادقة، والأول أظهر (١).

قال الخطابيّ رحمه الله: إنما حُبّب إليه الخلوة؛ لأن معها فراغَ القلب، وهي معينة على التفكّر، وبها ينقطع عن مألوفات البشر، ويخشع قلبه، ويُجمع همّه، فالمخلص في الخلوة يفتح الله عليه ما يؤنسه في خلوته تعويضًا من الله تعالى إياه عما تركه لأجله، واستنار قلبه بنور الغيب حتى تذهب ظلمة النفس، واختيار الخلوة لسلامة الدين، وتفقّد أحوال النفس، وإخلاص العمل لله تعالى. انتهى (٢).

(فَكَانَ) - صلى الله عليه وسلم - (يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ) الغار: الكهف، والنَقْبُ في الجبل، وجمعه غِيران، والمغار والمغارة بمعنى الغار، وتصغير الغار غُوير (٣).

و"حراء": بالمدّ، وكسر أوله، قال في "الفتح": كذا في الرواية، وهو صحيح، وفي رواية الأصيليّ بالفتح والقصر، وقد حُكِي أيضًا، وحُكيَ فيه غير ذلك جوازًا، لا روايةً، وهو جبل معروف بمكة (٤).

وقال النوويّ رحمه الله: وأما "حِرَاء" فبكسر الحاء المهملة، وتخفيف الراء وبالمد، وهو مصروف، ومذكّر، هذا هو الصحيح، وقال القاضي فيه لغتان: التذكير والتأنيث، والتذكير أكثر، فمن ذَكَّره صَرَفه، ومن أَنَّثه لم يَصرِفه، وأراد البقعة، أو الجهة التي فيها الجبل، قال القاضي: وقال بعضهم فيه: حَرَى بفتح الحاء والقصر، وهذا ليس بشيء، قال أبو عمر الزاهد، صاحب ثعلب، وأبو سليمان الخطابيّ، وغيرهما: أصحابُ الحديث، والعوامُّ يُخطِؤون في حِرَاء في


(١) "الفتح" ٨/ ٥٨٧ "كتاب التفسير" (٤٩٥٤).
(٢) راجع: "الكاشف" ١٢/ ٣٧١٦.
(٣) "شرح النووي" ٢/ ١٩٨.
(٤) "الفتح" ١/ ٣١.