للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ) "حتى" هنا على بابها من انتهاء الغاية؛ أي: انتهى توجهه لغار حراء بمجيء الملك، فترك ذلك، وقوله: "فَجِئه" - بفتح الفاء، وكسر الجيم، ثم همزة - ويجوز فتح الجيم أيضًا، يقال: فَجِئه بكسر الجيم، وفَجَأه بفتح الجيم والهمزة لغتان مشهورتان، حكاهما الجوهريّ وغيره؛ أي: جاءه الوحي بغتةً، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن متوقعًا للوحي، قاله النوويّ (١).

وتعقّبه البلقينيّ، وقال: في إطلاق هذا النفي نظرٌ، فإن الوحي كان جاءه في النوم مرارًا، وأسند ذلك إلى ما ذكره ابن إسحاق عن عُبيد بن عُمير أنه وقع له في المنام نظير ما وقع له في اليقظة، من الغطّ، والأمر بالقراءة، وغير ذلك. انتهى.

وتعقّب الحافظ، فقال: في كون ذلك يستلزم وقوعه في اليقظة حتى يتوقعه نظرٌ، فالأولى ترك الجزم بأحد الأمرين. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: ما قاله البلقينيّ واضحٌ إن صحّ ما ذكره ابن إسحاق؛ فتنبّه، والله تعالى أعلم.

وقوله: (الْحَقُّ) قال الطيبيّ: أي أمر الحق، وهو الوحي، أو رسول الحقّ، وهو جبريل عليه السلام، وقال البلقينيّ: أي الأمر البَيِّن الظاهر، أو المراد: الملك بالحقّ؛ أي: الأمر الذي بُعِث به. انتهى.

وفي رواية البخاريّ من طريق عُقيل، عن الزهريّ: "حتى جاءه الحقّ"، قال في "الفتح": وإن ثَبَتَ من مرسل عبيد بن عمير أنه أُوحي إليه بذلك في المنام أَوّلًا قبل اليقظة، أمكن أن يكون مجيء الملك في اليقظة عَقِبَ ما تقدم في المنام، وسُمِّي حقًّا؛ لأنه وحي من الله تعالى.

وقد وقع في رواية أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة، قالت: إن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان أوّلَ شأنه يَرَى في المنام، وكان أوّلَ ما رأى جبريلَ بأجياد، صَرَخَ جبريلُ: يا محمدُ، فنظر يمينًا وشمالًا، فلم يَرَ شيئًا، فرَفَع بصره، فإذا هو على أُفُق السماء، فقال: يا محمدُ جبريلُ جبريلُ؛ فَهَرَب، فدخل في الناس، فلم يَرَ شيئًا، ثم خَرَج عنهم، فناداه، فهرب، ثم استَعْلَن له جبريل من


(١) "شرح النوويّ" ٢/ ١٩٩.
(٢) "الفتح" ١٢/ ٣٧٢.