وأخرج أحمد في "الزهد" عن عثمان، عن حماد بن زيد، عن أيوب، قال: رأيت ابن سيرين مقيّدًا في المنام، وهذا يُشعر بأن ابن سيرين كان يَعتمد في تعبير القيد على ما في الخبر، فأُعطي هو ذلك، وكان كذلك. انتهى ما في "الفتح"(١) بطوله، وهو بحث مفيد جدًّا، والله تعالى أعلم.
(المسألة الخامسة): في ذِكر ما قاله أهل العلم في قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: "جزء من خمسة وأربعين جزءًا من النبوّة":
قال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "رؤيا المسلم جزء من خمسة وأربعين جزءًا من النبوة"، وفي حديث عبادة:"رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا"، وفي رواية عن أبي هريرة:"رؤيا الرجل المصالح جزء من ستة وأربعين"، وفي أخرى عنه:"الرؤيا الصالحة"، وفي رواية:"رؤيا الرجل الصالح ستة وأربعون جزءًا من النبوة"، وفي حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: "الرؤيا الصالحة جزء من سبعين"، وفي غير كتاب مسلم عن ابن عباس:"جزء من أربعين"، وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-: "جزء من سبعة وأربعين"، وفي حديث العباس -رضي الله عنه-: "من خمسين"، وعن أنس -رضي الله عنه-: "من ستة وعشرين"، وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-: "من أربعة وأربعين".
قال أبو عبد الله المازريّ: والأكثر والأصح عند أهل الحديث: "من ستة وأربعين". وحُكي عن بعض الناس: أنه نَزّل هذا الحديث بهذه الرواية على مدّة الوحي للنبيّ، وذلك أنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أقام يوحى إليه ثلاثًا وعشرين سنة، منها ستة أشهر يوحى إليه في نومه، وذلك في أول أمره.
وقد اعتُرِض عليه بأن هذه المدة لَمْ يصحَّ نقل تحديدها، ولا هو معروف، فتقديره تحكُّم.
قال القرطبيّ: القَدْر الذي اختَلَف الرواة فيه من هذا الحديث أمران:
أحدهما: من أضيفت الرؤيا إليه، فتارة سكت عنه، وأخرى قيل فيه:"المسلم"، وفي أخرى:"المؤمن"، وفي أخرى:"المصالح"، وهذا الأمر الخلاف فيه أهون من الخلاف في الأمر الثاني، وذلك أنه حيث سكت عنه لم
(١) "الفتح" ١٦/ ٣٦٣ - ٣٧٢، كتاب "التعبير" رقم (٧٠١٧).