للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يضر السكوت عنه، مع العلم بأن الرؤيا مضافة إلى راءٍ ما، فإذا صُرِّح به في موضع آخر فهو المعنيُّ، وأما حيث نُطِق به فالمراد به واحد، وإن اختلفت الألفاظ، وذلك أن الرؤيا لا تكون من أجزاء النبوة إلَّا إذا وقعت من مسلم صادق صالح، وهو الذي يناسب حالُه حالَ النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- فأُكرم بنوع مما أُكرم به الأنبياء -عَلَيْهِم السَّلَام-، وهو الاطّلاع على شيء من علم الغيب، كما قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: "إنه لَمْ يبق من مبشِّرات النبوة إلَّا الرؤيا الصادقة في النوم، يراها الرجل الصالح، أو تُرى له" (١)، فإنَّ الكافر، والكاذب، والمخلِّط -وإن صدقت رؤياهم في بعض الأوقات- لا تكون من الوحي، ولا من النبوّة؛ إذ ليس كلّ من صَدَق في حديث عن غيب يكون خبره ذلك نبوة. وقد قدَّمنا: أن الكاهن يُخبر بكلمة الحقّ، وكذلك المنجِّم قد يحدُس (٢)، فيصدق، لكن على الندور والقلَّة، وكذلكْ الكافر، والفاسق، والكاذب. وقد يرى المنام الحق، ويكون ذلك المنام سببًا في شرٍّ يلحقه، أو أمرٍ يناله، إلى غير ذلك من الوجوه المعتبرة المقصودة به.

وقد وقعت لبعض الكفار منامات صحيحة صادقة؛ كمنام الملِك الذي رأى سبع بقرات، ومنام الفَتَيَيْن في السجن، ومنام عاتكة عمَّة رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، وهي كافرة، ونحوه كثير، لكن ذلك قليل بالنسبة إلى مناماتهم المخلطة والفاسدة، فهذا هو الأمر الأول.

وأما الأمر الثاني: وهو اختلاف عدد أجزاء النبوة التي جُعلت رؤيا الرجل الصالح واحدًا منها: فاختلفت الرواية فيه من ستة وعشرين إلى سبعين، كما قد ذكرناه، وأكثرها في "الصحيحين"، وكلها مشهورٌ فلا سبيل إلى أخذ أحدها، وطَرْح الباقي، كما قد فعل أبو عبد الله المازريّ، فإنَّه قد يكون بعض ما ترك أَولى مما قَبِل إذا بحثنا عن رجال أسانيدها، ولمّا ترجَّح عند غيره غير ما اختاره هو، فإذًا: الوجه الذي يتعيَّن المصير إليه أن يقال: إن هذه الأحاديث -وإن اختلفت ألفاظها- متفقة على أنَّ الرؤيا الصالحة من الرجل الصالح جزء


(١) رواه مسلم، وأحمد، وأبو داود، والنسائيّ.
(٢) من بابي نصر، وضرب، من الْحَدْس، وهو الظنّ والتخمين.