للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من أجزاء النبوة. فهذه شهادة صحيحة من النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- بأنها وحي من الله تعالي، وأنها صادقة لا كذب فيها. ولذلك قال مالك وقد قيل له: أيُفَسّر الرؤيا كلّ أحد؟ فقال: أيُلْعَب بالوحي؟!. وإذا كانت هكذا فتعيَّن على الرائي أن يعتني بها، ويسعى في تفهُّمها، ومعرفة تأويلها، فإنَّها إما مبشِّرة له بخير، أو محذرة له من شر، فإنْ أدرك تأويلها بنفسه، وإلا سأل عنها من له أهليَّة ذلك، وهو اللبيب الحبيب. ولذلك كان النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- يقول إذا أصبح: "هل رأى أحدٌ منكم الليلة رؤيا فليقصها، أُعبِّرها؟ "، فكانوا يقصُّون عليه، وَيعْبُرُ. وقد سلك أصحابه ذلك المسلك في حياته، وبعد وفاته، وقد كان يقتبس الإحكام من منامات أصحابه، كما فعل في رؤيا الأذان، وفي رؤيا ليلة القدر. وكل ذلك بناءً على أنَّها وحي صحيح. وإذا تقرَّر هذا فلا يضرنا الاضطراب الذي وقع في عدد تلك الأجزاء مع حصول المقصود من الخير؛ غير أن علماءنا قد راموا إزالة ذلك الاضطراب، وتأوَّلوه تأويلات، فلنذكرها، وننبِّه على الأقرب منها؛ وهي أربع:

الأول: ما صار إليه أبو عبد الله. وقد ذكرناه، وما وَرَدَ عليه.

والثاني: أن المراد بهذا الحديث: أن المنام الصادق خصلة من خصال النبوة، كما جاء في الحديث الآخر: "التؤدة، والاقتصاد، وحسن السمت جزء من ستة وعشرين جزءًا من النبوة" (١)؛ أي: النبوة مجموع خصال مبلغ أجزائها ستة وعشرون، هذه الثلاثة الأشياء جزء واحدٌ منها، وعلى مقتضى هذه التجزئة: كلّ جزء من الستة والعشرين ثلاثة أشياء في نفسه، فإذا ضربنا ثلاثة في ستة وعشرين صحَّ لنا أن عدد خصال النبوة من حيث آحادها ثمانية وسبعون. ويصحُّ أن يسمَّى كلّ اثنين من الثمانية والسبعين جزءًا وخصلة، فيكون جميعها بهذا الاعتبار تسعة وثلاثين جزءًا، ويصحُّ أن يسمَّى كلّ أربعة منها جزءًا، فيكون مجموع أجزائها بهذا الاعتبار تسعة عشر جزءًا ونصف جزء،


(١) حديث صحيح، رواه عبد بن حميد في "مسنده" (١/ ١٨٣)، والطبرانيّ في "الأوسط" (١/ ٣٠٣)، والضياء في "المختارة" (٩/ ٤٠٥) وكلهم بلفظ: "جزء من أربعة وعشرين جزءًا من النبوّة".