للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فتختلف أسماء العدد المجزَّأ بحسب اختلاف اعتبار الأجزاء، وعلى هذا: فلا يكون اختلاف أعداد أجزاء النبوَّة في أحاديث الرؤيا المذكورة اضطرابًا، وإنَّما هو اختلاف اعتبار مقادير تلك الأجزاء المذكورة. والله تعالى أعلم.

الثالث: ما أشار إليه الطبريّ، وهو: أن هذا الاختلاف راجعٌ إلى اختلاف حال الرائي. فالمؤمن الصَّالح تكون نسبة رؤياه من ستة وأربعين، وغيرُ الصالح من سبعين، ولهذا لَمْ يَشترط في رواية السَّبعين في وصف الرائي ما اشترطه في وصفه في رواية: "ستة وأربعين"، فإنَّه شرط فيها الصَّلاح في الرائي، وسكت عن اشتراطه في رواية السبعين.

قال القرطبيّ: وهذا فيه بُعدٌ؛ لِمَا قدَّمناه من صحَّة احتمال حمل مطلق الرِّوايات على مقيّدها، وبما قد رُوي عن ابن عباس: "الرؤيا الصالحة جزء من أربعين"، وسكت فيه عن ذِكر وصف الرائي. وكذلك حديث عبد الله بن عمرو حين ذَكَر سبعة وأربعين. وحديث العبَّاس حين ذكر خمسين.

الرابع: قيل: يَحْتَمِل أن تكون هذه التجزئة في طرق الوحي؛ إذ منه ما سُمِع من الله تعالى دون واسطة، كما قال تعالى: {مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: ٥١]، ومنه بواسطة المَلَك، كما قال: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} [الشورى: ٥١]، ومنه ما يُلقى في القلب، كما قال: {إِلَّا وَحْيًا} [الشورى: ٥١]، أي: إلهامًا، ثمَّ منه ما يأتيه المَلَك على صورته، ومنه ما يأتيه على صورة آدمي يعرفه، ومنه ما يتلقاه منه وهو لا يعرفه، ومنه ما يأتيه في مثل صلصلة الجرس، ومنه ما يسمعه من الملك قولًا مُفصَّلًا، إلى غير ذلك من الأحوال التي كانت تختلف على النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- في الوحي وحالاته المختلفة، فتكون تلك الحالات إذا عُدِّدت غايتها انتهت إلى سبعين.

قال القرطبيّ: ولا يخفى ما في هذا الوجه من البُعد والتساهل، فإنَّ تلك الأعداد كلها إنما هي أجزاء النبوَّة، وأكثر هذه الأحوال التي ذكرت هنا ليست من النبوة في شيء؛ ككونه يعرف المَلَك، أو لا يعرفه، أو يأتيه على صورته، أو على غير صورته، ثمَّ مع هذا التكلف العظيم لَمْ يَقْدِر أن يبلغ عدد ما ذكر إلى ثلاثين.

قال: وأشبه ما ذكر في ذلك: الوجه الثاني؛ مع أنَّه لَمْ تَثْلَجُ النفسُ به،