به تحقيق أمر الرؤيا، وأنها مما كان الأنبياء عليه، وأنها جزء من أجزاء العلم الذي كان يأتيهم، والأنباء التي كان ينزل بها الوحي عليهم.
وقد قَبِل جماعة من الأئمة المناسبة المذكورة، وأجابوا عما أورده الخطابيّ.
أما الدليل على كون الرؤيا كانت ستة أشهر، فهو أن ابتداء الوحي كان على رأس الأربعين من عمره -صلى الله عليه وسلم-، كما جزم به ابن إسحاق وغيره، وذلك في ربيع الأول، ونزول جبريل إليه، وهو بغار حراء كان في رمضان، وبينهما ستة أشهر.
وفي هذا الجواب نظرٌ؛ لأنه على تقدير تسليمه ليس فيه تصريح بالرؤيا، وقد قال النوويّ رحمه الله: لَمْ يثبت أن زمن الرؤيا للنبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- كان ستة أشهر.
وأما ما ألزمه به من تلفمِق أوقات المرائي، وضمّها إلى المدة، فإن المراد وحي المنام المتتابع، وأما ما وقع منه في غضون وحي اليقظة، فهو يسير بالنسبة إلى وحي اليقظة، فهو مغمور في جانب وحي اليقظة، فلم يُعتبر بمدته، وهو نظير ما اعتمدوه في نزول الوحي، وقد أطبقوا على تقسيم النزول إلى مكيّ ومدنيّ قطعًا، فالمكي ما نزل قبل الهجرة، ولو وقع بغيرها مثلًا: كالطائف، ونخلة، والمدني ما نزل بعد الهجرة، ولو وقع، وهو بغيرها، كما في الغزوات، وسفر الحجِّ والعمرة، حتى مكة.
قال الحافظ: وهو اعتذار مقبول، ويمكن الجواب عن اختلاف الأعداد أنه وقع بحسب الوقت الذي حَدّث فيه النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- بذلك؛ كأن يكون لمّا أكمل ثلاث عشرة سنة بعد مجيء الوحي إليه حدّث بأن الرؤيا جزء من ستة وعشرين إن ثبت الخبر بذلك، وذلك وقت الهجرة، ولمّا أكمل عشرين حدّث بأربعين، ولمّا أكمل اثنين وعشرين حدّث بأربعة وأربعين، ثم بعدها بخمسة وأربعين، ثم حدّث بستة وأربعين في آخر حياته، وأما ما عدا ذلك من الرؤيات بعد الأربعين، فضعيف، ورواية الخمسين يَحْتَمِل أن تكون لجبر الكسر، ورواية السبعين للمبالغة، وما عدا ذلك لَمْ يثبت، وهذه مناسبة لَمْ أر من تعرَّض لها.
قال الجامع عفا الله عنه: هكذا حاول الحافظ في الجواب عن اعتراضات الخطابيّ، ولا يخفى على منصف ما فيه من التعسّف، والتكلّف، فالحقّ أن