للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نكل علم هذه التفاصيل إلى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، ولا نتكلّف، ولا نتعسّف؛ فإن هذا هو الأسلم، والأحكم، والله تعالى الهادي إلى الطريق الأقوم.

قال: ووقع في بعض الشروح مناسبة للسبعين ظاهرة التكلّف، وهي أنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- قال في الحديث الذي أخرجه أحمد، وغيره: "أنا بشارة عيسي، ودعوة إبراهيم، ورأت أمي نورًا"، فهذه ثلاثة أشياء تُضْرَب في مدة نبوته، وهي ثلاثة وعشرون سنةً، تضاف إلى أصل الرؤيا، فتبلغ سبعين.

قال الحافظ: ويبقى في أصل المناسبة إشكال آخر، وهو أن المتبادَر من الحديث إرادة تعظيم رؤيا المؤمن الصالح، والمناسبة المذكورة تقتضي قصر الخبر على سورة ما اتَّفَقَ لنبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-؛ كأنه قيل: كانت المدة التي أوحى الله إلى نبيّنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- فيها في المنام جزءًا من ستة وأربعين جزءًا من المدة التي أوحى الله إليه فيها في اليقظة، ولا يلزم من ذلك أن كلّ رؤيا لكل صالح تكون كذلك، ويؤيد إرادة التعميم الحديث الذي ذكره الخطابيّ في الهدي والسمت، فإنه ليس خاصًّا بنبوّة نبيِّنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أصلًا.

وقد أنكر الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة التأويل المذكور، فقال: ليس فيه كبير فائدة، ولا ينبغي أن يُحمل كلام المؤيَّد بالفصاحة والبلاغة على هذا المعني، ولعل قائله أراد أن يجعل بين النبوة والرؤيا نوع مناسبة فقط، ويعكر عليه الاختلاف في عدد الأجزاء.

[تنبيه]: حديث الهدي الصالح الذي ذكره الخطابيّ، أخرجه الترمذيّ، والطبرانيّ، من حديث عبد الله بن سَرْخِس، لكن بلفظ أربعة وعشرين جزءًا، وقد ذكره القرطبي في "المفهم" بلفظ: "من ستة وعشرين". انتهى.

وقد أبدى غير الخطابيّ المناسبة باختلاف الروايات في العدد المذكور، وقد جمع بينها جماعة، أولهم الطبريّ، فقال: رواية السبعين عامّة في كلّ رؤيا صادقة، من كلّ مسلم، ورواية الأربعين خاصّة بالمؤمن الصادق الصالح، وأما ما بين ذلك فبالنسبة لأحوال المؤمنين.

وقال ابن بطال: أما الاختلاف في العدد قلة وكثرةً، فأصح ما ورد فيها: "من ستة وأربعين"، و"من سبعين"، وما بين ذلك من أحاديث الشيوخ، وقد وجدنا الرؤيا تنقسم قسمين: جلية ظاهرة؛ كمن رأى في المنام أنه يُعطَى تمرًا،