للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فالمعطي تمرًا مثله في اليقظة، فهذا القسم لا إغراب في تأويلها، ولا رمز في تفسيرها، ومرموزة بعيدة المرام، فهذا القسم لا يقوم به حتى يَعْبُره إلَّا حاذق لِبُعد ضرب المثل فيه، فيمكن أن هذا من السبعين، والأول من الستة والأربعين؛ لأنه إذا قلّت الأجزاء كانت الرؤيا أقرب إلى الصدق، وأسلم من وقوع الغلط في تأويلها، بخلاف ما إذا كثرت، قال: وقد عرضت هذا الجواب على جماعة فحسَّنوه، وزادني بعضهم فيه أن النبوة على مثل هذين الوصفين تلقّاها الشارع عن جبريل، فقد أخبر أنه كان يأتيه الوحي مرةً، فيكلمه بكلام فيعيه بغير كلفة، ومرة يلقي إليه جُمَلًا، وجوامع، يشتد عليه حملها حتى تأخذه الرُّحَضاء، ويتحدَّر منه العرق، ثم يُطلعه الله على بيان ما ألقى عليه منها.

ولخّصه المازريّ (١)، فقال: قيل: إن المنامات دلالات، والدلالات منها ما هو جليّ، ومنها ما هو خفيّ، فالأقل في العدد هو الجليّ، والأكثر في العدد هو الخفيّ، وما بين ذلك.

وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة (٢) ما حاصله: أن النبوة جاءت بالأمور الواضحة، وفي بعضها ما يكون فيه إجمال، مع كونه مبيَّنًا في موضع آخر، وكذلك المَرائي منها ما هو صريح، لا يحتاج إلى تأويل، ومنها ما يحتاج، فالذي يفهمه العارف من الحقّ الذي يعرج عليه منها جزء من أجزاء النبوة، وذلك الجزء يكثر مرّةً، ويقِلّ أخري، بحسب فهمه، فأعلاهم من يكون بينه وبين درجة النبوة أقلّ ما ورد من العدد، وأدناهم الأكثر من العدد، ومن عداهما ما بين ذلك.

وقال القاضي عياض: ويَحْتَمِل أن تكون هذه التجزئة في طُرُق الوحي؛ إذ منه ما سُمِع من الله بلا واسطة، ومنه ما جاء بواسطة المَلَك، ومنه ما ألقي في القلب من الإلهام، ومنه ما جاء به المَلَك، وهو على صورته، أو على صورة آدمي معروف، أو غير معروف، ومنه ما أتاه به في النوم، ومنه ما أتاه به في صلصلة الجرس، ومنه ما يُلقيه روح القدس في رُوعه، إلى غير ذلك، مما وقفنا عليه، ومما لَمْ نقف عليه، فتكون تلك الحالات إذا عُدّدت انتهت إلى العدد المذكور.


(١) "المعلم" ٣/ ١١٨.
(٢) "بهجة النفوس" ٤/ ٢٣٦.