للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ: ورمضان هو الراجح؛ لما تَقَدَّم من أنه الشهر الذي جاء فيه في حراء، فجاءه الملك، وعلى هذا فيكون سنُّهُ حينئذ أربعين سنة وستة أشهر، وليس ذلك في الأقوال التي حكاها البلقينيّ (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذه الأقوال ليس عليها دليلٌ يُستند إليه، فالأولى عدم الالتفات إليها، والخوض في مثلها اشتغال بما لا يعني الإنسان، فالله المستعان.

[تنبيه]: إذا عُلِم أنه كان يجاور في غار حراء في شهر رمضان، وأن ابتداء الوحي جاء وهو في الغار المذكور اقتضى ذلك أنه نُبِّئ في شهر رمضان، ويَعْكُر على قول ابن إسحاق أنه بُعِث على رأس الأربعين؛ مع قوله: إنه في الشهر الذي وُلد فيه.

ويمكن أن يكون المجيء في الغار كان أوّلًا في شهر رمضان، وحينئذ نُبِّئ، وأنزل عليه {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: ١]، ثم كان المجيء الثاني في شهر ربيع الأول بالإنذار، وأنزلت عليه {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢)} [المدثر: ١، ٢]، فيُحمَل قول ابن إسحاق على رأس الأربعين، أي عند المجيء بالرسالة، والله تعالى أعلم (٢).

(فَقَالَ) أي: الملك) (اقْرَأْ) يحتمل أن يكون هذا الأمر لمجرد التنبيه والتيقظ لما سيُلْقَى إليه، ويحتمل أن يكون على بابه من الطلب، فيُسْتَدَلُّ به على تكليف ما لا يطاق في الحال، وإن قُدِر عليه بعد ذلك، ويحتمل أن تكون صيغة الأمر محذوفة، أي: قل: {اقْرَأْ}، وإن كان الجواب "ما أنا بقارئ" فعلى ما فُهِم من ظاهر اللفظ، وكأن السرّ في حذفها؛ لئلا يُتَوَهَّم أن لفظ "قل" من القرآن، ويؤخذ منه جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب، وأن الأمر على الفور، لكن يمكن أن يجاب بأن الفور فُهِم من القرينة (٣).

وقال البلقينيّ: ظاهره أنه لم يتقدم من جبريل شيء قبل هذه الكلمة، ولا السلام، فيَحْتَمِل أن يكون سَلَّمَ، وحُذِف ذكره؛ لأنه معتاد، وقد سَلَّم الملائكة على إبراهيم عليه السلام حين دخلوا عليه، ويَحْتَمِل أن يكون لم يُسَلِّم؛ لأن المقصود


(١) راجع: "الفتح" ١٢/ ٣٧٣.
(٢) راجع: "الفتح" ٨/ ٥٨٨.
(٣) المصدر السابق ٨/ ٥٨٩.