للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حينئذ تفخيم الأمر وتهويله، وقد تكون مشروعية ابتداء السلام تتعلق بالبشر، لا من الملائكة، وإن وقع ذلك منهم في بعض الأحيان.

قال الحافظ: والحالة التي سلموا فيها على إبراهيم كانوا في صورة البشر، فلا ترد هنا، ولا يَرِد سلامهم على أهل الجنة؛ لأن أمور الآخرة مغايرة لأمور الدنيا غالبًا.

وقد جاء في رواية الطيالسيّ أن جبريل سَلَّم أوّلًا، ولم يُنقَل أنه سلَّم عند الأمر بالقراءة، والله أعلم (١).

(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("مَا أنَا بِقَارِئٍ") قال البلقينيّ رحمه الله: وظاهره أن عائشة - رضي الله عنهما - سَمِعت ذلك من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فلا يكون من مرسلات الصحابة. انتهى.

وقوله: (مَا إنا بِقَارِئٍ) أي: لا أُحِسن القراءة، فـ "ما" نافية، هذا هو الصواب، وحَكَى القاضي عياض رحمه الله فيها خلافًا بين العلماء، منهم مَن جَعَلها نافيةً، ومنهم من جعلها استفهامية، وضعّفوه بإدخال الباء في الخبر، قال القاضي: ويصحح قول مَن قال: استفهامية، رواية مَن رَوَى: "ما أقرأ؟ "، ويصح أن تكون "ما" في هذه الرواية أيضًا نافية، ذكره النوويّ رحمه الله (٢).

وقال في "الفتح": "ما" نافية؛ إذ لو كانت استفهامية، لم يَصْلَحْ دخول الباء، وإن حُكِيَ عن الأخفش جوازه، فهو شاذّ، والباء زائدة لتأكيد النفي؛ أي: ما أُحسِن القراءة، فلما قال ذلك ثلاثًا، قيل له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: ١]، أي: لا تقرؤه بقوّتِك، ولا بمعرفتك، لكن بحول ربك وإعانته، فهو يُعَلِّمك كما خلقك، وكما نَزَعَ عنك عَلَق الدم، وغَمْزَ الشيطان في الصغر، وعَلَّمَ أمتك حتى صارت تكتب بالقلم، بعدَ أَنْ كانت أمية. ذكره السهيلي.

وقال غيره: إن هذا التركيب، وهو قوله: "ما أنا بقارئ" يفيد الاختصاص، ورَدّه الطيبيّ بأنه إنما يفيد التقوية والتأكيد، والتقديرُ: لستُ بقارئ البتة.

[فإن قيل]: لم كَرَّر ذلك ثلاثًا؟.

[أجاب أبو شامة] بأن يُحْمَل قوله أوّلًا: "ما أنا بقارئ" على الامتناع،


(١) "الفتح" ١٢/ ٣٧٣.
(٢) "شرح النوويّ" ٢/ ١٩٩.