وقال القاضي: وقيل: معناه: سيرى تأويل تلك الرؤيا في اليقظة، وصحتها، وقيل: معنى الرؤيا في اليقظة: أنه سيراه في الآخرة.
وتُعُقّب بأنه في الآخرة يراه جميع أمته، من رآه في المنام، ومن لم يره؛ يعني: فلا يبقى لخصوص رؤيته في المنام مزية.
وأجاب القاضي عياض باحتمال أن تكون رؤياه له في النوم على الصفة التي عُرف بها، ووُصف عليها موجبةً لتكرمته في الآخرة، وأن يراه رؤية خاصّة، من القرب منه، والشفاعة له بعلو الدرجة، ونحو ذلك من الخصوصيات، قال: ولا يبعد أن يعاقب الله بعض المذنبين في القيامة بمنع رؤية نبيّه -صلى الله عليه وسلم- مدّة.
وحَمَله ابن أبي جمرة (١) على محمَل آخر، فذَكَر عن ابن عباس، أو غيره، أنه رأى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في النوم، فبقي بعد أن استيقظ متفكرًا في هذا الحديث، فدخل على بعض أمهات المؤمنين، ولعلها خالته ميمونة، فأخرجت له المرآة التي كانت للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فنظر فيها، فرأى صورة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولم ير صورة نفسه، ونقل عن جماعة من الصالحين أنهم رأوا النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في المنام، ثم رأوه بعد ذلك في اليقظة، وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوفين، فأرشدهم إلى طريق تفريجها، فجاء الأمر كذلك.
قال الحافظ: وهذا مشكل جدًّا، ولو حُمل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة، ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة، ويعكُر عليه أن جمعًا جَمًّا رأوه في المنام، ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة، وخبر الصادق لا يتخلف.
وقد اشتَدّ إنكار القرطبيّ على من قال: من رآه في المنام فقد رأى حقيقته، ثم يراها كذلك في اليقظة، كما تقدم قريبًا، وقد تفطن ابن أبي جمرة لهذا، فأحال بما قال على كرامات الأولياء، فإن يكن كذلك تعيَّن العدول عن العموم في كل راء، ثم ذكر أنه عامّ في أهل التوفيق، وأما غيرهم فعلى الاحتمال، فإنّ خَرْق العادة قد يقع للزنديق بطريق الإملاء، والإغواء، كما يقع