للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولأبي داود الطيالسيّ في "مسنده" بسند حسن: "فأخذ بِحَلْقي"، قاله في "الفتح" (١).

وقال الطيبيّ رحمهُ اللهُ: "الغطّ": العصر الشديد والكَبْس، ومنه الغَطّ في الماء: وهو الغوص فيه، قيل: إنما غطّه؛ ليختبر هل يقول من تلقاء نفسه شيئًا؟. انتهى (٢).

والحكمة في هذا الغط شَغْلُه عن الالتفات لشيء آخر، أو لإظهار الشدّة والجدّ في الأمر تنبيهًا على ثقل القول الذي سيُلْقَى إليه، فلما ظَهَر أنه صَبَر على ذلك أَلْقَى إليه، وهذا وإن كان بالنسبة إلى علم الله حاصلًا، لكن لعل المراد إبرازه للظاهر بالنسبة إليه - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: ليَخْتَبِر هل يقول من قِبَل نفسه شيئًا؟ فلما لم يأتِ بشيء دَلّ على أنه لا يَقْدِر عليه، وقيل: أراد أن يعلمه أن القراءة ليست من قدرته، ولو أُكرِه عليها، وقيل: الحكمة فيه أن التخييل والوهم والوسوسة، ليست من صفات الجسم، فَلَمّا وَقَع ذلك لجسمه عُلِمَ أنه من أمر الله، وذكر بعضهم أن هذا من خصائص النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ لم يُنقَل عن أحد من الأنبياء، أنه جَرَى له عند ابتداء الوحي مثل ذلك (٣).

(حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ) بفتح الجيم وضمها لغتان، وهو الغاية والمشقة، ويجوز نصب الدال، ورفعها، فمعناه على النصب: بَلَغ جبريلُ، أو الغطُّ مني الجهدَ، أي: غاية وُسْعِي، وعلى الرفع: بلغ الجهدُ مني مبلَغه وغايته، وممن ذكر الوجهين في نصب الدال ورفعها صاحب "التحرير" وغيره (٤).

واعترض التوربشتيّ رحمهُ اللهُ وجه النصب، فقال: لا أرى الذي يرويه بنصب الدال إلا قد وَهِمَ فيه، أو جوّزه من طريق الاحتمال، فإنه إذا نُصب عاد المعنى إلى أنه غطه حتى استفرغ قوّته في غطّه، وجهد جهده بحيث لم يَبْقَ فيه مزيد، وهذا قول غير سديد؛ لأن البنية البشريّة لا تستدعي استيفاء القوّة الملكيّة، لا سيّما في مبدأ الأمر، وقد دلّت القضيّة على أنه اشمأزّ من ذلك، وتداخله الرعب. انتهى.


(١) "الفتح" ١/ ٣٣.
(٢) "الكاشف" ١٢/ ٣٧١٧.
(٣) "الفتح" ٨/ ٥٨٩.
(٤) "شرح النووي" ٢/ ١٩٩.