للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ظاهر، وإن كان المحفوظ: "فسيراني في اليقظة" احْتَمَلَ أن يكون أراد أهل عصره، ممن يهاجر إليه، فإنه إذا رآه في المنام جُعِل ذلك علامةً على أنه يراه بعد ذلك في اليقظة، وأوحى الله بذلك إليه -صلى الله عليه وسلم-. انتهى، وقد تقدّم تمام البحث في هذا في المسألة الرابعة من مسائل الحديث [٥٩٠٥]، ولله الحمد والمنّة.

وقوله: (لَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي") جملة تعليليّة، أراد بها بيان كونه رؤيته حقًّا، وأنه سيراه في اليقظة، وقال القسطلانيّ: هو كالتتميم للمعنى، والتعليل للحكم؛ أي: لا يحصل له؛ أي: للشيطان مثال صورتي، ولا يتشبه بي، فكما منع الله الشيطان أن يتصور بصورته الكريمة في اليقظة كذلك منعه في المنام؛ لئلا يشتبه الحقّ بالباطل. انتهى (١).

(وَقَالَ) ابن شهاب (فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَالَ أَبُو قَتَادَةَ) الحارث بن رِبْعيّ بن بُلْدُمة، وقيل غير ذلك في اسمه، الأنصاريّ الصحابيّ الشهير المتوفّى سنة (٥٤) وقيل غير ذلك، تقدّمت ترجمته في "الطهارة" ١٨/ ٦١٩. (قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ")؛ أي: ضدّ الباطل؛ يعني: أن رؤيته على حقيقتها، وليست من تسويلات الشيطان، وفي رواية أحمد: "فقد رآني الحقّ"، بنصب الحقّ؛ أي: المنام الحقّ؛ أي: الصدق، قال الطيبيّ: "الحقّ" هنا مصدر مؤكّد؛ أي: فقد رأى رؤية الحقّ. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": قوله: "فقد رأى الحقّ أي: رؤية الحقّ، لا الباطل، وهو يردّ ما تقدم من كلام من تكلّف في تأويل قوله: "من رآني في المنام فسيراني في اليقظة"، قال: والذي يظهر لي أن المراد: من رآني في المنام على أيّ صفة كانت فليستبشر، ويعلم أنه قد رأى الرؤيا الحقّ التي هي من الله، لا الباطل الذي هو الحلم، فإن الشيطان لا يتمثل بي. انتهى (٣)، وقد تقدّم تمام البحث فيه قبله، والله تعالى أعلم.


(١) "عون المعبود" ١٣/ ٢٤٩.
(٢) "الكاشف عن حقائق السُّنن" ٩/ ٣٠٠٠.
(٣) "الفتح" ١٦/ ٣٣٧.