للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عَلِمَ أن منامه هذا من الأضغاث بوحي، أو بدلالة من المنام دلّته على ذلك، أو على أنه من المكروه الذي هو من تحزين الشياطين، وأما العابرون فيتكلمون في كتبهم على قطع الرأس، ويجعلونه دلالة على مفارقة الرائي ما هو فيه من النِّعم، أو مفارقة مَن فوقه، ويزول سلطانه، ويتغير حاله في جميع أموره، إلا أن يكون عبدًا، فيدلّ على عتقه، أو مريضًا فعلى شفائه، أو مديونًا فعلى قضاء دَينه، أو من لم يحجّ فعلى أنه يحجّ، أو مغمومًا فعلى فرحه، أو خائفًا فعلى أمنه. انتهى.

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: فيه دليلٌ على مَنْع أن يُخبِر الإنسان بما يراه في منامه مما يكرهه، مما يَظُنّ أنه من الشيطان، وقد تقدَّم بيان ذلك، وهذه المنام على مساق هذا الحديث ليس في ظاهرها ما يدلّ على أنها من الشيطان؛ غير أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عَلِم أنها من الشيطان بطريق آخر غير ظاهرها، فإمَّا أن يكون ذَكَر الرائي ما يدلّ على ذلك، ولم ينقله الراوي، وإمَّا أن يكون ذلك من باب الوحي، وهو الظاهر.

وقد ذكر أهل العلم بالعبارة قطع الرأس في النوم، وذكروا: أنه يدل على زوال نِعَم الرائي، أو سلطانه، أو تغيُّر حاله، أو مفارقة من هو فوقه، فإنْ كان عبدًا دلَّ على عتقه، أو مريضًا فعلى شفائه، أو مِدْيانًا فعلى قضاء دَيْنه، أو صرورة فعلى حَجِّه، أو مغمومًا فعلى فَرَجه، أو خائفًا فعلى أمنه، إلى غير ذلك مما وسَّعوا القول فيه.

وقد ذكر ابن قتيبة في كتاب "أصول العبارة" أن رجلًا قال: يا رسول الله! رأيت فيما يرى النائم كأن رأسي قُطع، فجعلت أنظر إليه بإحدى عيني! فضحك النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وقال: "بأيتهما كنت تنظر إليه؟ "، فلَبِثَ ما شاء الله، ثم قُبِض النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فعبَّر الناسُ أن الرأس كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأن النظر إليه كان اتباع السُّنَّة (١). انتهى (٢)، والله تعالى أعلم.


(١) لم أر من أخرجه، ولا من تكلّم في درجته، والله تعالى أعلم.
(٢) "المفهم" ٦/ ٢٧ - ٢٨.