للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الإشارة في اليقظة، قال: ويمكن أن تكون المناسبة أن الأمر الذي جاءه به ثقيلٌ، من حيث القول، والعمل، والنية، أو من جهةِ التوحيد، والأحكام، والإخبار بالغيب الماضي والآتي، وأشار بالإرسالات الثلاث إلى حصول التيسير، والتسهيل، والتخفيف في الدنيا، والبرزخ، والآخرة عليه وعلى أمته. انتهى (١)، وهو بحثٌ مفيد، والله تعالى أعلم.

(ثُمَّ أَرْسَلَنِي) أي: أطلقني بعد الغطّ، قال العلماء: والحكمة في الغطّ شَغْلُه من الالتفات، والمبالغة في أمره بإحضار قلبه لما يقول له، وكَرَّره ثلاثًا مبالغةً في التنبيه، ففيه أنه ينبغي للمعلّم أن يحتاط في تنبيه المتعلِّم، وأمره بإحضار قلبه، والله أعلم (٢).

(فَقَالَ) جبريل عليه السلام (اقْرَأْ"، قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ"، قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("فَأَخَذَنِي، فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ، حَتى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ) جبريل (اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي، فَغَطَّنِي الثالِثَةَ، حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: ١]) قال أبو عبد الله القرطبيّ رحمهُ اللهُ: معنى {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} أي: اقرأ ما أُنزل إليك من القرآن، مفتتحًا باسم ربك، وهو أن تَذْكُر التسمية في ابتداء كلّ سورة، فمحل الباء من {بِاسْمِ رَبِّكَ} النصب على الحال، وقيل: الباء بمعنى "على"؛ أي: اقرأ على اسم ربك، يقال: فَعَل كذا باسم الله، وعلى اسم الله، وعلى هذا فالمقروء محذوف، أي: اقرأ القرآن، وافتتحه باسم الله، وقال قوم: "اسم ربك" هو المقروء، فهو يقول: اقرأ باسم ربك، أي: اسم ربك، والباء زائدة، كقوله تعالى: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: ٢٠]، وكما قال [من البسيط]:

هُنَّ الحَرَائِرُ لَا رَبَّاتُ أَخْمِرَةٍ … سُودُ المَحَاجِرِ لَا يَقْرَأْنَ بِالسُّوَرِ

أراد لا يقرأن السُّوَرَ، وقيل: معنى {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}: أي اذكر اسمه، أَمَرَه أن يبتدئ القراءة باسم الله. انتهى.

({الَّذِي خَلَقَ}) لم يذكر المفعولَ؛ لأن المعنى: الذي حصل منه الخلقُ، واستأثر به، لا خالق سواه، أو تقديره: خلق كلَّ شيء، فيتناول كلَّ مخلوق؛ لأنه


(١) راجع: "الفتح" ١٢/ ٣٧٤ - ٣٧٥ "كتاب التعبير" رقم (٦٩٨٢).
(٢) المصدر السابق.