للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مطلقٌ، فليس بعض المخلوقات بتقديره أولى من بعض، قاله النسفيّ (١).

وقوله: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ} [العلق: ٢]) تخصيصٌ للإنسان بالذكر من بين ما يتناوله الخلق؛ لشرفه، ولأن التنزيل إليه، ويجوز أن يراد: الذي خلق الإنسان، إلا أنه ذُكر مبهمًا، ثم مفسَّرًا؛ تفخيمًا لخلقه، ودلالةً على عجيب فطرته ({مِنْ عَلَقٍ} [العلق: ٢]) بفتحتين: جمع عَلَقة، وإنما لم يقل: من عَلَقة؛ لأن الإنسان في معنى الجمع، قاله النسفيّ (٢).

وقال القرطبيّ: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ} يعني: ابن آدم {مِنْ عَلَقٍ} أي: من دَم، وهو: جمعُ عَلَقة، والعَلَقة الدم الجامد، وإذا جَرَى فهو المسفوح، وقال: {مِنْ عَلَقٍ} فذَكَره بلفظ الجمع؛ لأنه أراد بالإنسان الجمع، وكلُّهم خُلِقوا من عَلَق بعد النطفة، والعلقة قِطْعة من دم رَطْبٍ، سُمِّيت بذلك؛ لأنها تَعْلَق لرطوبتها بما تَمُرّ عليه، فإذا جَفَّت لم تكن عَلَقةً، قال الشاعر [من الوافر]:

تَرَكْنَاهُ يَخِرُّ عَلَى يَدَيْهِ … يَمُجُّ عَلَيْهِمَا عَلَقَ الوَتِينِ

وخَصَّ الإنسان بالذكر؛ تشريفًا له، وقيل: أراد أن يُبَيِّن قدر نعمته عليه، بأن خلقه من عَلَقة مَهِينة، حتى صار بشرًا سويًّا، وعاقلًا مميزًا.

وقوله تعالى: ({اقْرَأْ} [العلق: ٣]) تأكيدٌ، وتَمَّ الكلام، ثم أستأنَفَ، فقال: ({وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} [العلق: ٣]) أي: الذي له الكمال في زيادة كرمه على كلّ كريم، يُنعم على عباده النِّعَم، ويَحْلُم عنهم، فلا يعاجلهم بالعقوبة مع كفرهم، وجحودهم لنعمه. ولمّا لم يكن للإنسان بعد هدايته للإيمان تكريم، مثلُ تكريمه بالفوائد العلميّة نبّه على ذلك حيث قال: {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)} [العلق: ٤، ٥]) أي: علّم الإنسان الخطّ والكتابة بالقلم، وعلّمه ما لا عِلْمَ له به، مما يحتاج إليه في معاشه، ومعاده، ففيه دليلٌ على كمال كرمه سبحانه وتعالى بأنه علّم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ونبّه على فضل علم الكتابة؛ لِمَا فيه من المنافع العظيمة التي لا يُحيط بها إلا هو؛ إذ ما دُوِّنت العلوم، ولا قُيِّدت الحِكَم، ولا ضُبطت أخبار الأولين، ولا كُتب الله


(١) "تفسير النسفيّ" ٤/ ٣٦٨.
(٢) المصدر السابق.