للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المنزّلة إلا بالكتابة، ولولا هي لما استقامت أمور الدين والدنيا، ولو لم يكن على دقيق حكمة الله سبحانه وتعالى دليلٌ إلا أمر القلم، والخطّ لكفى.

وسُمِّي قَلَمًا لأنه يُقْلَم، أي: يُقْطَع، ومنه تقليم الظفر، وقال بعض الشعراء المُحْدَثين، يَصِفُ القلم [من الكامل]:

فَكَأَنَّهُ وَالحِبْرُ يَخْضِبُ رَأْسَهُ … شَيْخٌ لِوَصْلِ خَرِيدَةٍ يَتَصَنَّعُ

لِمَ لَا أُلَاحِظُهُ بِعَيْنِ جَلَالَةٍ … وَبِهِ إِلَى اللهِ الصَّحَائِفُ تُرْفَعُ (١)

وقوله: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: ٥]) قيل: الإنسان هنا آدم عليه السلام علّمه أسماء كل شيء، حسبما جاء به القرآن في قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: ٣١]، فلم يَبْقَ شيءٌ إلا وعَلَّم سبحانه وتعالى آدم اسمه بكل لغة، وذَكَره آدمُ للملائكة، كما عَلَّمه، وبذلك ظهر فضله، وتَبَيَّن قدره، وثبتت نبوّته، وقامت حجة الله على الملائكة، وحجتُهُ، وامْتَثَلت الملائكةُ الأمرَ لَمَّا رأت من شرف الحال، ورأت من جلال القدرة، وسمعت من عظيم الأمر، ثم توارثت ذلك ذريته خَلَفًا بعد سلف، وتناقلوه قومًا عن قوم.

وقيل: الإنسان هنا الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - بدليل قوله تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء: ١١٣]، وعلى هذا فالمراد بـ {عِلْمٍ} المستقبلُ، فإن هذا من أوائل ما نَزَل.

وقيل: هو عامٌّ؛ لقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} الآية [النحل: ٧٨] (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا القول الأخير هو الأرجح؛ لأن عموم قوله عزَّ وجلَّ: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)} ظاهر فيه، فتأمّل، والله تعالى أعلم.

وقال الطيبيّ رحمهُ اللهُ: قوله: {اقْرَأْ} أمر بإيجاد القراءة مطلقًا، وهو لا يختصّ بمقروء دون مقروء، وقوله: {بِاسْمِ رَبِّكَ} حال، أي: اقرأ مفتتحًا باسم ربك، قل: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ثم اقرأ، وهذا يدل على أن البسملة


(١) "تفسير القرطبيّ" ٢٠/ ١٢٢.
(٢) راجع: "تفسير القرطبيّ" ٢٠/ ١٢٢.