للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال القرطبيّ: وهذا كلام جُمْليّ، لم يحصل به بيان تفصيليّ؛ فإنَّ هذا الكلام من السهل جملةً، الممتنع تفصيلًا، وييانه بالإعراب، وذلك: أن اسم "كان" مستتر فيها يعود على النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وخبرها في الجملة التي بعدها، وذلك: أن "ما" من "مما" بمعنى الذي، وهي مجرورة بـ "من"، وَصِلَتها "يقول"، والعائد محذوف، وهذا المجرور خبر المبتدأ الذي هو: "مَن رأى منكم رؤيا"؛ فإنَّه كلام محكيّ معمول للقول، تقديره: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من جملة القول الذي يقوله هذا القول.

ويجوز أن تكون مصدرية، ويكون تقديرها: كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من جملة قوله: "مَن رأى منكم رؤيا"، و"مَنْ" في كلا الوجهين استفهام محكيّ، والله تعالى أعلم.

وأبعدُ ما قيل فيها: قول من قال: إن "مِمّا" بمعنى: ربما، إذ لا يساعده اللسان، ولا يلتئم مع تكلُّفه الكلام. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ- (١).

وقال الأبيّ في "شرحه": قال ثابتٌ: معنى "مما" هنا: كثيرٌ؛ أي: كثيرًا ما كان يقول؛ أي: شأنه، ودأبه، فجُعلت "ما" كنايةً عن ذلك، وأدغم فيها نون "مِنْ"، فقيل: "مما"، وقال غيره: معنى "ممّا": ربّما، وهو بمعنى الأول؛ لأن ربّما تأتي للتكثير. انتهى (٢).

وقوله: (فَلْيَقُصَّهَا) قال القرطبيّ: معنى "فليقصّها": ليذكر قصّتها، وليتَّبع جزئياتها، حتى لا يترك منها شيئًا، مِنْ قصصت الأثر: إذا تتبَّعته، وأعبُرها؛ أي: أعتبرها، وأفسّرها، ومنه قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: ٤٣]، وأصله مِنْ عَبَرت النهر: إذا جُزْتَ من إحدى عُدوتيه إلى الأخرى. انتهى (٣).

وقوله: (أَعْبُرْهَا لَهُ) مضارع عَبَرَ الرؤيا، من باب نصر عَبْرًا، وعِبَارةً، وعبّرها بالتشديد أيضًا: إذا فسّرها، وأخبر بآخر ما يؤول إليه أمرها (٤).


(١) "المفهم" ٦/ ٣٠.
(٢) "شرح الأبيّ" ٦/ ٨٧.
(٣) "المفهم" ٦/ ٣١.
(٤) "القاموس المحيط" ص ٨٣٢.