للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال البلقينيّ رحمهُ اللهُ: الحكمة في العدول عن القلب إلى الفؤاد أن الفؤاد وعاء القلب، على ما قاله بعض أهل اللغة، فإذا حصل للوعاء الرَّجَفان حصل لما فيه، فيكون في ذكره من تعظيم الأمر ما ليس في ذكر القلب. انتهى.

وهذا هو سبب طلبه أن يُدَثَّرَ، ويُزَمَّل؛ أي: يُغطَّى، ويُلَفّ؛ لشدّة ما لحقه من هول الأمر، وشدّة الضغط (١).

والجملة في محلّ نصب على الحال من فاعل "رَجَعَ"، والقاعدة أن الجملة المضارعيّة إذا كانت مثبتة تُربط بالضمير، لا بالواو، كما قال في "الخلاصة":

وَذَاتُ بَدْءٍ بِمُضَارعٍ ثَبَتْ … حَوَتْ ضَمِيرًا وَمِنَ الوَاوِ خَلَتْ

وَذَاتُ وَاوٍ بَعْدَهَا انْوِ مُبْتَدَا … لَهُ المُضَارعَ اجْعَلَنَّ مُسْنَدًا

[تنبيه]: الحكمة في أولية هذه الآيات الخمس - أعني {اقْرَأْ} إلى {مَا لَمْ يَعْلَمْ} - كونها قد اشتملت على مقاصد القرآن، ففيها براعة الاستهلال، وهي جديرة أن تُسَمَّى عنوان القرآن؛ لأن عنوان الكتاب يَجمع مقاصده بعبارة وجيزة في أوله، وهذا بخلاف الفن البديعيّ المُسَمَّى العنوان، فإنهم عَرَّفوه بأن يأخذ المتكلم في فنّ، فيؤكده بذكر مثال سابق، وبيانُ كونها اشتملت على مقاصد القرآن، أنها تنحصر في علوم التوحيد، والأحكام، والأخبار، وقد اشتملت هذه الآيات على الأمر بالقراءة، والبداءة فيها "ببسم الله"، وفي هذه الإشارة إلى الأحكام، وفيها ما يتعلق بتوحيد الربّ، وإثبات ذاته، وصفاته، من صفة ذات، وصفة فعل، وفي هذا إشارة إلى أصول الدين، وفيها ما يتعلق بالأخبار، من قوله: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)} (٢)، والله تعالى أعلم.

(حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ) - رضي الله عنها - (فَقَالَ: "زَمِّلُونِي، زَمِّلُونِي") هكذا في الروايات مكرّرًا مرّتين، ومعناه: غظوني بالثياب، ولُفّوني بها، وهو من التزميل، وهو التلفيف، والتزمُّل: الالتفاف، وا لاشتمال، ومثله التدثُّر، ويقال للثوب الذي يلي الجسد: دِثَار بالكسر (فَزَمَّلُوهُ، حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ) - بفتح،


(١) "المفهم" ١/ ٣٧٧.
(٢) راجع: "الفتح" ٨/ ٥٨٩ - ٥٩٠ "كتاب التفسير" (٤٩٥٤).