(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) -رضي الله عنه- (أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-)؛ بمعنى: أبصرت، فلذا اقتصر على مفعول واحد، (وَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ) بالحاء المهملة؛ أي: قَرُب وقت صلاة العصر، وزاد قتادة في الرواية التالية:"وهو بالزوراء، وهو سوق بالمدينة"، والواو في قوله:"وحانت" للحال، والتقدير: والحال أنه قد حانت صلاة العصر، (فَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوَضُوءَ) ببناء الفعل للفاعل، و"الناس" مرفوع على الفاعليّة، و"الوضوء" منصوب على المفعوليّة، وهو بفتح الواو: الماء الذي يُتوضّأ به (فَلَمْ يَجِدُوهُ)؛ أي: الوَضوءَ، (فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-) بالبناء للمفعول، (بِوَضُوءٍ) بفتح الواو أيضًا، (فَوَضَعَ) بالبناء للفاعل، (رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي ذَلِكَ الإِنَاءِ يَدَهُ) منصوب على المفعوليّة، (وَأَمَرَ) بالبناء للفاعل؛ أي: أمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا مِنْهُ)؛ أي: من ذلك الوضوء الذي أُتي به إليه. (قَالَ) أنس -رضي الله عنه- (فَرَأَيْتُ الْمَاءَ) الرؤية هنا بصريّة، كما مرّ آنفًا؛ أي: أبصرت الماء (يَنْبُعُ) بتثليث الموحّدة؛ أي: يخرج، والجملة في محل نصب على الحال، وقد عُلِم أن الجملة الفعلية إذا وقعت حالًا تأتي بلا واو، إذا كان فِعْلها مضارعًا، كما قال في "الخلاصة":
وإنما لم يُجعل مفعولًا ثانيًا لـ "رأيت"؛ لأن "رأيت" هنا بمعنى أبصرت، فلا تقتضي إلا مفعولًا واحدًا (١).
(مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ) جمع إصبع، فيه لغات: إصبع بكسر الهمزة، وضمّها، والباء مفتوحة فيهما، ولك أن تُتْبع الضمة الضمة، والكسرة الكسرة؛ أي: من تحت أصابع النبيّ -صلى الله عليه وسلم-. (فَتَوَضَّأَ النَّاسُ، حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ) قال الكرمانيّ: "حتى" للتدريج، و"من" للبيان؛ أي: توضأ الناس حتى توضأ الذين من عند آخرهم، وهو كناية عن جميعهم، ثم نقل عن النوويّ أن "من" في "من عند آخرهم" بمعنى "إلى"، وهي لغة، ثم قال: أقول: ورود "من" بمعنى: "إلى" شاذّ قلّما يقع في فصيح الكلام.