للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حتى لا يُنسب إليك كَذِبٌ فيما قُلتَهُ، ولا يُسلّط عليك شيطانٌ بتخبيطه الذي حَذِرْتَهُ.

ومعنى "يَحْزُنُكَ" أي: يوقع ما تخافه من ذلك.

وهذا تأنيسٌ منها للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - إن كان هذا لأوّل ما رأى من المقدّمات والتباشير، وقبل تحقّقه الرسالة، ولقاء الملك، أو يكون بعده لِمَا خَشِي من ضعف جسمه عن حمل ذلك. انتهى كلام القاضي (١).

قال الجامع عفا الله عنه: الاحتمال الأول بعيد، يُبعده أن هذا القول

صدر منه - صلى الله عليه وسلم - بعد تلقّيه الآيات الخمس من جبريل عليه السلام، ورجوعه بها إلى خديجة - رضي الله عنها -، فالأولى أن تأنيسها له - صلى الله عليه وسلم - إنما من أجل ما خافه من موتٍ، أو مرض، أو نحو ذلك بسبب شدّة ملاقاة الملك، والله تعالى أعلم.

ووقع عند ابن إسحاق، عن إسماعيل بن أبي حكيم، مرسلًا: "أن خديجة قالت: أي ابن عم، أتستطيع أن تُخبرني بصاحبك إذا جاء؟ قال: "نعم"، فجاءه جبريل، فقال: "يا خديجة هذا جبريل قالت: قُمْ، فاجلس على فخذي اليسرى، ثم قالت: هل تراه؟ قال: "نعم قالت: فتحوَّلْ إلى اليمنى كذلك، ثم قالت: فتحوّل، فاجلس في حجري كذلك، ثم ألقت خمارها وتحسرت، وهو في حجرها، وقالت: هل تراه؟ قال: "لا قالت: اثْبُت، فوالله إف لملك، وما هو بشيطان"، وفي رواية مرسلة عند البيهقي في "الدلائل": أنها ذهبت إلى عَدّاس، وكان نصرانيًّا، فذكرت له خبر جبريل، فقال: هو أمين الله، بينه وبين النبيين، ثم ذهبت إلى ورقة (٢).

(وَاللهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ) معنى صِلَة الرحم: هو الإحسان إلى الأقارب، على حسب حال الواصل والموصول، فتارةً تكون بالمال، وتارة بالخدمة، وتارة بالزيارة والسلام، وغير ذلك، قاله النوويّ رحمهُ اللهُ.

وقال في "الفتح": ثم استدَلّت على ما أقسمت عليه من نفي ذلك أبدًا بأمر استقرائيّ، وصفته بأصول مكارم الأخلاق؛ لأن الإحسان إما إلى الأقارب، أو إلى الأجانب، وإما بالبدن، أو بالمال، وإما على مَن يستقل


(١) "إكمال المعلم" ١/ ٦٣٥.
(٢) "الفتح" ٨/ ٥٩١.