للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وظهور آثارهم فيه، وتلك الأمور وقعت في الوجود مرتبة على حسب ما شاء الله تعالى في الأزل، وإذا كان كذلك لَمْ يتقدَّم متأخِّر منهم على منزلته، كما لا يتأخر متقدِّم منهم عن مرتبته؛ إذ تلك مراتب معلومة على قَسْم مقسومة، وقد سبق لسعادتهم القضاء، {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: ٧٤] (١).

٨ - (ومنها): بيان جواز الخرص إذا احتيج إليه، وأنه طريق معتبَر شرعًا.

٩ - (ومنها): أن خروج ثمرة هذه الحديقة على مقدار ما خَرَصه رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دليل على صحة حَدْسه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقوة إدراكه، وإصابته وجه الصواب فيما كان يحاوله، ولا يُعارَض هذا بحديث إِبَار النخل، فإنَّ الله تعالى قد أجرى عادة ثابتة متكررة في إِبَار النخل لَمْ يعلمها النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: "ما أرى هذا يُغني شيئًا"؛ يعني: الإِبَار، وصَدَق، فإنَّ الله تعالى هو الذي يمسك الثمرة، ويطيّبها إذا شاء، لا الإِبَار، ولا غيره، بخلاف الوصول إلى المقادير بالخرص، فإنَّ الغالب فيه من الممارسين له التقريب، لا التحقيق، وقد أخبر النبيّ بمقدار ذلك على التحقيق، فوُجد كما أخبر، فإنْ كان هذا منه عن حَدْس وتخمين، كان دليلًا على أنَّه قد خُصَّ من ذلك بشيء لَمْ يَصِل إليه غيره، وإن كان ذلك بالوحي، كان ذلك من شواهد نبوته -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قاله القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ- (٢).

[تنبيه]: "الْخَرْص" -بفتح الخاء المعجمة، وحُكِي كسرها، وبسكون الراء، بعدها مهملة- هو حَزْرُ ما على النخل من الرُّطَب تمرًا، حَكَى الترمذيّ عن بعض أهل العلم أن تفسيره أن الثمار إذا أَدْرَكت من الرُّطَب، والعنب، مما تجب فيه الزكاة بَعَث السلطان خارصًا ينظر، فيقول: يخرج من هذا كذا وكذا زبيبًا، وكذا وكذا تمرًا، فيُحصيه، وينظر مبلغ العشر، فيُثْبته عليهم، ويُخَلِّي بينهم وبين الثمار، فإذا جاء وقت الْجِذَاذ أخذ منهم العُشر. انتهى.

وفائدة الخرص: التوسعة على أرباب الثمار في التناول منها، والبيع من زَهْوِها، وإيثار الأهل، والجيران، والفقراء؛ لأنَّ في مَنْعهم منها تضييقًا لا يخفى.

وقال الخطابيّ: أنكر أصحاب الرأي الخرص، وقال بعضهم: إنما كان


(١) "المفهم" ٦/ ٥٩ - ٦٠.
(٢) "المفهم" ٦/ ٥٧ - ٥٨.