يُفعل تخويفًا للمزارعين؛ لئلا يخونوا، لا لِيَلْزَم به الحكم؛ لأنه تخمين وغرور، أو كان يجوز قبل تحريم الربا، والقمار.
وتعقبه الخطابيّ بأن تحريم الربا والمَيْسِر متقدِّم، والخرص عُمِل به في حياة النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى مات، ثم أبو بكر، وعمر، فمن بعدهم، ولم يُنقل عن أحد منهم، ولا من التابعين تَرْكه، إلَّا عن الشعبيّ، قال: وأما قولهم: إنه تخمين وغرور، فليس كذلك، بل هو اجتهاد في معرفة مقدار التمر، وإدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير.
وحَكَى أبو عبيد عن قوم منهم أن الخرص كان خاصًّا بالنبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لأنه كان يوفَّق من الصواب ما لا يوفَّق له غيره.
وتعقبه بأنه لا يلزم من كون غيره لا يُسَدَّد لِمَا كان يسدَّد له سواه أن تَثْبت بذلك الخصوصية، ولو كان المرء لا يجب عليه الاتباع إلَّا فيما يعلم أنه يسدَّد فيه؛ كتسديد الأنبياء لسَقَط الاتباع.
وتُرَدّ هذه الحجة أيضًا بإرسال النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْخَرَاص في زمانه، والله أعلم.
واعتَلَّ الطحاويّ بأنه يجوز أن يحصل للثمرة آفة، فتُتلفها، فيكون ما يؤخذ من صاحبها مأخوذًا بدلًا مما لَمْ يَسْلَم له.
وأجيب بأن القائلين به لا يُضَمِّنون أرباب الأموال ما تَلَف بعد الخرص.
قال ابن المنذر: أجمع من يُحفظ عنه العلم أن المخروص إذا أصابته جائحة قبل الجذاذ، فلا ضمان. واختَلَف القائلون به، هل هو واجب، أو مستحبّ؟ فحَكَى الصيمُريّ من الشافعية وجهًا بوجوبه، وقال الجمهور: هو مستحبّ، إلَّا إن تَعَلَّق به حقّ لمحجور مثلًا، أو كان شركاؤه غير مؤتمَنين، فيجب؛ لِحِفظ مال الغير.
واختُلِف أيضًا هل يختص بالنخل، أو يُلحق به العنب، أو يعمّ كلّ ما يُنتفع به رَطْبًا، وجافًّا؟ وبالأول قال شُريح القاضي، وبعض أهل الظاهر، والثاني قول الجمهور، وإلى الثالث نحا البخاريّ.
قال الجامع عفا الله عنه: ما نحا إليه البخاري -رَحِمَهُ اللهُ- من التعميم هو الأظهر؛ لعموم العلّة، فتأمّل بالإنصاف، والله تعالى أعلم.
وهل يمضي قول الخارص، أو يُرجع إلى ما آل إليه الحال بعد